التطريز الفلسطينيّ في معرض "صِلَة" بالشارقة: أيدي النساء لم تنسَ خيوط الانتماء وبصمة الهوية - المصدر 24

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التطريز الفلسطينيّ في معرض "صِلَة" بالشارقة: أيدي النساء لم تنسَ خيوط الانتماء وبصمة الهوية - المصدر 24, اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 08:16 صباحاً

المصدر 24 - لم تُفلت نسوة فلسطين خيط التطريز من أيديهنَّ منذ النكبة حتى اليوم. التمسّك بالأصالة والتراث رسالة أزلية، بأنّهنَّ ها هُنا، يروينَ التاريخ ببصماتهنَّ، جيلاً بعد جيل، تجسيداً لعقود من المقاومة والانتماء والكفاح للهوية.

التطريز الفلسطيني ليس مجرّد غرز زخرفية، بل فنّ عريق، فكلّ نقش يروي قصص قرى عانت الاحتلال ويحمل ذاكرة المكان والتاريخ. وهذا ما دفع "مركز مرايا للفنون"، في إمارة الشارقة، إلى تخصيص معرض باسم "صِلَة" و"خيوط الذاكرة"، يستحضر تقاليد التطريز الفلسطيني عبر الزمن، وصولاً إلى أعمال تعكس مأساة أهالي غزة ونزفهم المتواصل منذ عامَين.

 

 

عمل يجمع رموز الذاكرة الفلسطينية من حنظلة إلى الزعتر وبرتقال يافا والبطيخ

 

انطلقت فكرة المعرض من مبادرة لتكريم الحرفيات الفلسطينيات عبر عرض الأثواب المطرّزة التقليدية المشغولة يدويّاً، قبل تحديثها بطابع فني معاصر يستعيد الذاكرة الفلسطينية من خلال الخيوط والألوان والروائح والأصوات.

تستقبل لوحة "الموناليزا الفلسطينية" الداخل إلى المعرض، متفوّقة على اللوحة الأصلية في متحف اللوفر الفرنسي. فالمرأة الفلسطينية بوصفها "الأمّ وحارسة الحرفة"، أحيطت بقطع أصلية من زمن السبعينيات، تأكيداً على ديمومة التراث عبر الزمن.

باللون الرمادي والطلاء المنقوص، يُحاكي تصميم المعرض، الذي زارته "النهار" في الشارقة، ملامح قطاع غزة المنكوب، كواجهات المنازل المدمّرة والأحياء التي استحالت ركاماً. كما أُضيف عنصر الرائحة إلى هويته عبر وسائد مطرّزة بشتلة الزعتر الفلسطيني العتيقة ورائحة برتقال يافا المحتلّة.

 

لوحة الموناليزا الفلسطينية عند مدخل المعرض

لوحة الموناليزا الفلسطينية عند مدخل المعرض

 

قطع منوّعة 

الحصار الإسرائيلي حاضر من خلال عمل للفنان عبد الرحمن قطناني بعنوان "أمهاتنا وأخواتنا". عبر صفائح الزينكو وأغطية الزجاجات والحديد الصدئ المستخرَج من مخيمات اللاجئين، عمل قطناني جاهداً لتحويل بقايا الدمار إلى مادة جمالية تعكس صمود المرأة الفلسطينية.

ثمّة قطعة لافتة تستنفر الزائر في منتصف طريقه: قذيفتان داخل عمودَين مدمّرَين ورأسَين متفجّرَين متّجهان نحو السماء. لا حاجة للتفسير هُنا، فالقطعة تشرح نفسها، بعدما أضاف التطريز إليها روحاً يُعاند الموت وآلة القتل الإسرائيلية. تتبعها لوحات قماشية تجريدية بعنوان "قبور الشهداء"، عُرِضَت بأسلوب هادئ ومكثّف، يوازن بين الفقد ورهبة الموت.

وبهدف تكامل الأعمال معاً، تلا مجسّم القذيفة تجربة سمعية لافتة للفنانة الشابة نعيمة مجذوبة، التي أدخلت نقوش التطريز في برنامجٍ صوتي لتوليد مقاطع موسيقية مستخدمة آلة العود العربي، فحوّلت بذلك الخيط إلى موجةٍ مسموعة.

في معرض "صِلَة" أيضاً، قدّمت فرح مهبهاني سلسلة لوحات من قماش النجف الرقيق، خُصّصَ كلٌّ منها لأحد أنواع الأعشاب مثل المرامية والزعتر والسماق، مستحضرة العلاقة بين الأرض والمرأة. واستكمل الفنان هازن هد المشهد بعمل يُوحّد القرى الفلسطينية في لوحات كولاج مطرزة تُشبه الخرائط.

 

 

قذيفتان مطرّزتان ضمن أعمال المعرض

قذيفتان مطرّزتان ضمن أعمال المعرض

 

وبإيمان بأنّ "الكمال لله"، تركت إحدى المصممات عملها "منقوصاً عمداً"، وقد نسجته بأسلوب الحياكة الفارسية، الذي يُترَك فيه جزء غير منسوج تواضعاً للخالق.

في زاوية أخرى، قدّمت مجموعة "بوكجة" اللبنانية معلّقة ضخمة جمعت رموز الذاكرة الفلسطينية مثل حنظلة وبرتقال يافا وشجرة الزيتون والبطيخ الذي غدا رمزاً جديداً لفلسطين بعد 7 أكتوبر.

الجولة في المعرض تُختتم بسلسلة أعمال لسميّة خالد وناسا لبس من تنفيذ مؤسسة "إنعاش" اللبنانية، شملت اثنَي عشر ثوباً مطرّزاً يُمثّل كلٌّ منها بيتاً فلسطينيّاً قديماً. لكل بيت حكايته مع حقّ العودة، والاحتفاظ بمفتاح البيت الأثري الذي صار رمزاً للنضال لعقود من اللجوء والإقصاء إلى خارج الحدود.

 

 

زائر يقف أمام قطعة مطرّزة يدويّاً من التراث الفلسطيني

زائر يقف أمام قطعة مطرّزة يدويّاً من التراث الفلسطيني

 

ومن خلال برنامجها، سعت "إنعاش" إلى تمكين النساء الفلسطينيات اللاجئات من الحفاظ على فن التطريز التقليدي، ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، عبر توفير فرص عمل مدعومة بالتراث الثقافي.

هكذا قدّم معرض "صِلَة" في الشارقة تجربة حسية متكاملة تُعيد تشكيل الهوية الفلسطينية عبر الحواس الخمس. فالتطريز هنا لم يبقَ مجرد حرفة تراثية، بل لغة وجودية تُحوِّل الخيط إلى ذاكرة حيّة، وتُثبت أن فلسطين، رغم الجراح، لا تزال تُطرّز حضورها بخيوطٍ من صبرٍ لا ينقطع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق