نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أنقذوا الشباب .. ويسروا الزواج - المصدر 24, اليوم السبت 8 نوفمبر 2025 06:57 مساءً
المصدر 24 - إنها أزمة تتجاوز حدود الأفراد لتطال نسيج المجتمع كله، إذ يهدد استمرارها استقرار الأسرة، ويؤثر علي معدلات المواليد، ويغيّر ملامح العلاقات الاجتماعية التقليدية، مما يستدعي حوارًا وطنيًا جادًا حول الأسباب والحلول قبل أن تتحول الظاهرة إلي أزمة مجتمعية يصعب احتواؤها.
فقدان الثقة
يري الدكتور تامر شوقي، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، أن ظاهرة عدم زواج الفتيات أو ما يُعرف بـ"العنوسة" تمثل إحدي المشكلات الاجتماعية ذات التأثيرات النفسية السلبية الخطيرة، سواء علي الفتاة ذاتها أو علي أسرتها، وتتضمن هذه التأثيرات فقدان الفتاة الثقة في ذاتها، والإحساس ـ علي نحو غير صحيح ـ بأنها في مرتبة أقل من الفتيات اللاتي تزوجن، خاصة إذا كنَّ في نفس عمرها أو في عمر أقل، وانخفاض تقديرها لذاتها، وزيادة احتمالية التنمر عليها من الآخرين المحيطين بها، وتفسير أسباب عدم زواجها بتفسيرات مهينة، بالإضافة إلي إحساسها بالوحدة والعزلة الاجتماعية عن الآخرين، والحساسية المفرطة تجاه أي كلمات تُوجَّه إليها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر حول موضوع تأخر زواجها، ما يزيد من قابليتها للإصابة بالقلق والاكتئاب، وزيادة نزعة التشاؤم لديها بخصوص المستقبل، وفقدان الأمل والإحساس باللامعني واللاهدف في الحياة، وقد تتعرض الفتاة نتيجة كثرة الضغوط النفسية التي تتلقاها إلي احتمالية الإصابة ببعض الأمراض النفسية بل والجسدية أيضًا.
وبالطبع توجد عديد من الأسباب المسئولة عن العنوسة، منها:
مبالغة أسرة الفتاة في المتطلبات المادية الخاصة بالزواج.
عدم قدرة الكثير من الشباب على التقدم للارتباط بالفتيات في ضوء ضعف قدراتهم المادية نتيجة انخفاض الدخل أو البطالة.
رفض الكثير من الفتيات الزواج في سن مبكرة لتفضيلهن أمورًا أخري بداعي تحقيق الذات "مثل الترقية في العمل".
رفض بعض الفتيات الزواج في سن مبكرة بسبب الإعجاب الزائد بالنفس أو الشكل، والشعور بعدم وجود من يناسبهن.
معتقدات خاطئة لدي بعض الفتيات بأن عدم الارتباط يمنحهن قدرًا أكبر من الاستقلالية.
عدم وجود فرص لبعض الفتيات للاختلاط بالجنس الآخر لأسباب مختلفة تتعلق بأسلوب التربية في الأسرة، أو طبيعة الدراسة، أو نمط الحياة.
وجود اتجاهات سلبية أو عقد نفسية لدي بعض الفتيات تجاه الارتباط في ضوء نماذج قاسية للزوج في حياتهن، مثل قسوة الأب في التعامل مع الأم أو التعرض للاعتداء في الصغر.
وتوجد بعض الحلول المقترحة للحد من ظاهرة العنوسة، منها:
عدم المبالغة في المطالب المادية من جانب أسرة الفتاة وتيسير فرص الزواج.
زيادة التعاون بين أسرتي الفتاة والشاب في تحمل نفقات الزواج.
توفير فرص عمل للشباب تمكّنهم من الزواج وتحمل مسئولياته.
تضمين المناهج الدراسية دروسًا عن أهمية الأسرة والزواج في بناء مجتمع متماسك.
زيادة التوعية الإعلامية بأهمية الزواج وكيفية تيسيره، من خلال استضافة المتخصصين في الأديان وعلم النفس والاجتماع عبر البرامج المختلفة.
تجنب إظهار النماذج السلبية للزواج في الدراما التلفزيونية لتفادي تأثر الفتيات بها.
إتاحة قروض ميسرة للزواج.
أن يقدم الزوج والزوجة في الأسرة النموذج الأمثل لأولادهما في المحبة والسكينة والتعاون.
الأسباب الاقتصادية
أوضح الدكتور أحمد فخري، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، أن أعداد الإناث غير المتزوجات تتزايد في المجتمع المصري والعربي عمومًا لأسباب عدة ترجع إلي مجموعة من العوامل، وليس عاملًا واحدًا. منها:
الأسباب الاقتصادية وارتفاع تكاليف الزواج من مهر وشبكة وارتفاع أسعار الذهب والشقق السكنية، ومنها أسباب تتعلق بالعُرف والعادات والتقاليد التي ما زالت تتوارث عبر الأجيال، خاصة في الريف والقري والمناطق البدوية، مثل المبالغة في المهور ومطالب الأثاث والذهب، حيث تُثمن الزيجة من الناحية المادية بشكل مبالغ فيه.
كما أن للمقارنات بين الأسر نصيبًا كبيرًا في وضع شروط صعبة التحقيق لا تتناسب مع الشباب المقبلين علي الزواج، مثل اشتراط الارتباط من داخل العائلة أو المطالبة بشهادة أو وظيفة معينة أو شقة بمواصفات باهظة، وهو ما يؤدي إلي فشل العديد من الزيجات منذ بدايتها بسبب تلك المبالغات.
وهناك أيضًا أسباب تتعلق بالوضع المجتمعي الحالي والانفتاح والخروج من عباءة التقاليد المبالغ فيها، إذ خرجت الفتاة للعمل وأصبحت تسعي إلي الحصول على الثقة بالنفس والاستقلال المالي والبحث عن الحرية واختيار شريك مناسب، ما يجعل كثيرات يقعن في فخ المثالية والبحث عن زوج كامل المواصفات، وهو أمر صعب المنال لأن كل إنسان له مزايا وعيوب، فتدخل الفتاة في صراع بين الحرية والبحث عن الكمال.
وتابع: كما توجد اضطرابات نفسية مرتبطة بفكرة الخوف من الارتباط أو التعلق، وهي مشكلة ذات جذور نفسية تعود إلي البيئة الأسرية أحيانًا، أو إلي تجارب سابقة شاهدتها الفتاة، مما يسبب لديها فوبيا الارتباط، وهنا لا بد من طلب المساعدة من المتخصصين النفسيين.
وهناك أيضًا أسباب أخري، منها البحث عن صفقة تحقق للفتاة الغني والراحة، إذ تبحث بعضهن عن الزوج الثري الذي يوفر لهن الحياة المترفة، ويقضين سنوات طويلة في البحث عنه دون النظر إلي الشروط الأهم التي تحقق استقرار العلاقة.
لذا ينصح الدكتور فخري القائمين على مؤسسات التنشئة المجتمعية بنشر الوعي والمفاهيم الصحيحة والواقعية حول مؤسسة الزواج، والتغاضي عن الموروث الثقافي الخاطئ، وعن المغالاة في متطلبات الزواج والمهور ومستلزمات تأسيس المنزل، مع التركيز علي التوافق بين الشاب والفتاة من الناحية الأخلاقية والثقافية والاجتماعية، ومراعاة التقارب الاقتصادي والاجتماعي.
كما يجب علي كل شاب وفتاة أن يسأل نفسه قبل فكرة الارتباط: لماذا أريد الزواج؟ وعليه أن يجيب بصدق ليحدد هدفًا منطقيًا وواقعيًا لفكرة ارتباطه، وبناءً علي ذلك يمكن الحد من ظاهرة الطلاق المبكر التي أصبحت واضحة في مجتمعاتنا.
سلوكيات الأسرة
وأكدت الدكتورة هند فؤاد، أستاذ علم الاجتماع المساعد بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن أسباب زيادة العنوسة "تأخر أو عدم الزواج" لدي البنات في المجتمع المصري وسبل الحد منها ترجع إلي أسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية، وأوضحت أن ظاهرة تأخر الزواج ازدادت أهميتها كقضية اجتماعية في مصر نتيجة تغيّر أدوار المرأة التعليمية والمهنية، إضافة إلي ظروف سوق الإسكان والعمل وسلوكيات الأسرة.
وأضافت: تشير الدراسات إلي وجود تحول ديموغرافي واجتماعي في متوسط عمر الزواج لدي الإناث، مع اتساع نسبة النساء المتعلمات واللاتي يدخلن سوق العمل، ووجود تباينات بين الحضر والريف، وهذا التحول لا يعني بالضرورة رفض الزواج، بل تأجيله لأسباب متعددة.
أولًا: أهم أسباب زيادة العنوسة
1- أسباب اقتصادية:
غلاء تكاليف الزواج "المهر، تجهيزات السكن، حفلات الزفاف".
بطالة أو ضعف دخل الشباب.
ارتفاع مستوي التعليم لدي البنات والرغبة في الاستقلال الاقتصادي.
2- عوامل اجتماعية وثقافية:
معايير اختيارية مرتفعة من الأسر أو الفتيات.
التباين في النظرة الاجتماعية للعزوبية بين البيئات المختلفة.
3- عوامل أخري:
أزمة الإسكان وارتفاع الأسعار.
غياب آليات دعم حكومية لتيسير الزواج.
4- عوامل نفسية وشخصية:
تفضيلات شخصية، أو خوف من فقدان الاستقلال، أو تجارب سابقة سلبية.
ثانيًا: سبل الحد والتدخلات المقترحة:
تقديم برامج تمويل ميسّرة للأزواج الجدد.
حوافز إسكانية للشباب المقبل علي الزواج.
تعزيز فرص العمل وريادة الأعمال.
حملات توعية مجتمعية لتقليل المغالاة في الزواج.
دعم بيئات العمل الصديقة للأسرة وتشريعات تحمي المرأة.
واختتمت الدكتورة هند فؤاد مؤكدة أن العنوسة ليست ظاهرة أحادية السبب، بل هي نتاج تفاعل عوامل اقتصادية وتعليمية وثقافية وسوقية، وأن الحل يتطلب نهجًا متكاملًا يجمع بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لتهيئة بيئة مجتمعية تتيح فرصًا متوازنة لتكوين الأسر المستقرة.
الوعي الاجتماعي
يري دكتور أحمد عبد المنعم - خبير علم النفس والصحة النفسية- أن هذه الإحصائيات تدل على مرحلة جديدة من الوعي الاجتماعي، حيث تتبدّل المفاهيم التقليدية حول الزواج والأنوثة والاستقلال، فهذا الرقم يمثل مرآة لعصري تتغيّر فيه القيم والأولويات، والتحدّي الحقيقي هو التعامل مع هذا التغيّر بوعيي نفسي واجتماعي يوازن بين حرية الاختيار واحتياجات الاستقرار الإنساني، ويبقي التحدي أن نحافظ علي التوازن بين حرية الفرد ومسؤوليات المجتمع، وأن نُصغي جيدًا لصوت التحولات النفسية والثقافية التي ترسم الملامح المصرية الجديدة، وهذه الأرقام تعكس تحوّلًا اجتماعيًا وثقافيًا عميقًا في المجتمع المصري يستحق التوقف والتحليل من زاوية علم النفس والصحة النفسية، لا من باب الأحكام أو التقاليد.
يوضح أن من أهم الأسباب المحتملة لهذه الظاهرة الغلاء وتبدّل الأولويات فلم يعد تأخّر الزواج مجرد مسألة "عزوف" أو "رفض"، بل بات في جوهره نتاجًا لضغوط اقتصادية خانقة، فارتفاع تكاليف الزواج، من المهر إلي السكن، جعل تكوين أسرة حلم صعب المنال، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة وضعف الدخل، ومن الناحية النفسية، يعيش كثير من الشباب والفتيات صراعًا داخليًا بين الرغبة في الاستقرار والخوف من الأعباء المالية، مما يولّد توترًا وقلقًا مستمرّين، وكذلك فإن الجيل الحالي من الفتيات أعاد رسم أولوياته، فبات التعليم والاستقلالية، والعمل قيمًا جوهرية تتقدّم علي الارتباط، وتُظهر الدراسات النفسية والاجتماعية أن هذا التحول يُعبّر عن الرغبة في تحقيق الذات قبل الارتباط، وهذا التحوّل لا ينبغي قراءته كتمرّد، بل كعلامة علي نضج اجتماعي وتغيّر في مفهوم الأنوثة والدور الاجتماعي للمرأة.
يضيف أنه علي الجانب الآخر تعاني بعض الفتيات من الضغوط الاجتماعية ووصمة "العنوسة"، فما زال الخطاب الاجتماعي يُحمّل المرأة وحدها مسؤولية تأخّر الزواج، متناسيًا العوامل الاقتصادية والثقافية المشتركة، وهذا النوع من الضغط يولّد ما يُعرف نفسيًا بـ القلق الاجتماعي، وشعورًا مستمرًا بعدم الكفاية أو الخوف من نظرة الآخرين، مما ينعكس علي الصحة النفسية في صورة اكتئاب أو عزلة أو فقدان للثقة بالنفس، ومن منظور العلاج النفسي، فإن إعادة بناء صورة الذات بعيدًا عن "الألقاب الاجتماعية" تُعدّ خطوة أساسية لاستعادة التوازن النفسي.
يوضح أن معظم الرجال يعانون من فجوة بين الواقع والتوقعات حيث تُظهر الدراسات أن فتيات اليوم أكثر تعليمًا واستقلالًا من الأجيال السابقة، لكن معايير الزواج لدي الطرفين لم تتطور بالمقدار نفسه، فما زال كثير من الرجال يبحثون عن "النموذج التقليدي"، بينما تبحث النساء عن شراكة ناضجة تقوم على المساواة والتفاهم، مما يخلق فجوة في التوقعات تعيق التلاقي.
يؤكد ضرورة ألا نتعامل مع تأخّر الزواج كـ "مشكلة"، بقدر ما هو تحوّل اجتماعي طبيعي في ظل تغيّر الزمن والأدوار، ويمكن الحدّ من الآثاره السلبية لهذه الظاهرة عبر مجموعة من الإجراءات المتكاملة على المستويات النفسية والاجتماعية والثقافية ومنها التثقيف النفسي والإعلامي من خلال تقديم محتوي يُعيد تعريف الزواج باعتباره خيارًا إنسانيًا لا مقياسًا للقيمة أو النجاح، مع التركيز علي بناء وعي جماعي يُقدّر التنوع في مسارات الحياة، ويشمل ذلك تدريب الإعلاميين وصنّاع المحتوي على تجنّب خطاب الوصم، واستبداله بخطاب إنساني يحترم الاختلافات الفردية، كما يجب تعزيز التربية الوجدانية في التعليم من خلال إدراج مقررات حول الصحة النفسية والعلاقات الإنسانية في المدارس والجامعات، لتأهيل الشباب والفتيات لفهم ذواتهم وإدارة العواطف واتخاذ قرارات رشيدة في العلاقات والزواج، فالتربية الوجدانية المبكرة تقي من القرارات المتسرعة وتُنمّي الوعي الذاتي.
يؤكد أهمية الدعم المجتمعي للحد من هذه الظاهرة من خلال تشجيع مبادرات "الزواج الميسّر"، والعودة إلي البساطة في المراسم والعادات، وإقناع الأسر بأن جوهر الزواج ليس في المظاهر بل في القدرة على بناء علاقة مستقرة، كما ينبغي على الدولة أن تعمل على توسيع فرص العمل والسكن، فالأمان الاقتصادي شرط أساسي للاستقرار الأسري والعاطفي، ويتطلب ذلك سياسات حكومية تُتيح فرص عمل عادلة للشباب والنساء، ومشروعات إسكان ميسّرة لتقليل العقبات المادية أمام تكوين الأسر، كما لابد أيضا من توفير الدعم النفسي والاجتماعي، من خلال إنشاء مراكز استشارات أسرية ونفسية تقدّم جلسات إرشاد فردي وجماعي للشباب والفتيات الذين يعانون من ضغوط بسبب تأخّر الزواج، ويمكن لهذه المراكز أن تُقدّم برامج متخصصة في إدارة التوقعات، والتعامل مع الوحدة، وتنمية الثقة بالنفس.
يشير أيضا خبير علم النفس والصحة النفسية إلي ضرورة تغيير الصورة النمطية في الثقافة العامة، من خلال تشجيع الدراما والسينما والإعلام علي عرض نماذج إيجابية لنساء ورجال ناجحين في مسارات متنوعة من الحياة، بما يقلل من وصم "غير المتزوجين"، ويعزّز فكرة أن القيمة الإنسانية لا تختزل في الحالة الاجتماعية، كما ينبغي تفعيل دور المؤسسات الدينية والمجتمعية عبر خطاب أكثر واقعية وتوازنًا، يركّز علي الرحمة والمسؤولية، ويبتعد عن الضغط الاجتماعي أو التقييم الأخلاقي للأفراد وفق وضعهم الأسري، فالدين في جوهره يدعو إلي التكامل الإنساني لا إلي التقييد الاجتماعي، ولابد كذلك من تعميق البحث العلمي والرصد الميداني من خلال دراسات حديثة ومستمرة تتابع الظاهرة بأبعادها النفسية والاجتماعية والاقتصادية، لتكون القرارات والسياسات قائمة علي بيانات واقعية لا علي تصورات تقليدية.
الأجيال الجديدة
من جانبها تري دكتورة هدير العزقلاني "خبيرة علم الاجتماع" أن المجتمع المصري شهد خلال السنوات الأخيرة تغيرات عميقة مست جوانب الحياة كافة، فلم تعد التحولات قاصرة على السياسة أو الاقتصاد، بل امتدت إلي القيم والعلاقات الاجتماعية، وإلي طريقة تفكير الأجيال الجديدة في مفاهيم كانت ثابتة لعقود طويلة، ومن أبرز هذه التحولات، ظاهرة تأخر سن الزواج بين الفتيات، لتصبح حديث المجتمع ومحل تساؤل الكثيرين، حيث تشير التقديرات إلي وجود نحو 14 مليون فتاة لم يسبق لهن الزواج في مصر، في وقت يبلغ فيه عدد الإناث أكثر من 52 مليون امرأة من إجمالي السكان بنسبه 48.6%، وهذا يلفت الانتباه إلي تغير حقيقي في نظرة الشباب والفتيات إلي الزواج، خاصة بعد أن أصبح القرار أكثر ارتباطًا بالاستقلال والتعليم والعمل، لا بمجرد الرغبة أو التوقيت.
تؤكد أنه قبل سنوات قليلة لم تكن هذه الظاهرة متفشية، ففي بدايات الألفية الجديدة كانت نسبة الفتيات غير المتزوجات لا تتجاوز 22% من إجمالي النساء، لكن النسبة اليوم ارتفعت لتقارب 27%، وهو ما يشير إلي تغير اجتماعي واضح، لا يمكن تجاهله، ومع ذلك، يجب أن نعي أن زيادة العدد لا تعني بالضرورة تفاقم الظاهرة، فالنمو السكاني الكبير يجعل الأرقام المطلقة تتغير طبيعيًا، ولهذا يظل المعيار الحقيقي هو النسبة بين الإناث في سن الزواج.
تشير "العزقلاني" إلي جود الكثير من العوامل الكثيرة والمتداخلة وراء هذه الظاهرة، فالظروف الاقتصادية الصعبة، وارتفاع تكاليف الزواج، وصعوبة توفير سكن مناسب، مما جعل من الزواج عبئًا علي كثير من الشباب، وفي المقابل، تغيّرت نظرة الفتيات إلي الحياة، فلم تعد الفتاة تري الزواج هو الهدف الوحيد، بل أصبح التعليم والعمل وتحقيق الذات من أولوياتها، وهي نظرة تعكس تطورًا في الوعي والقدرة علي الاختيار، كما أن تكرار حالات الطلاق في المجتمع جعل الكثيرات يتريّثن، ويتأملن التجارب حولهن قبل اتخاذ القرار، ولم يكن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي بعيدًا عن المشهد، حيث قدمت نماذج غير واقعية عن العلاقات والزواج، وبين ما هو حقيقي وما هو افتراضي، تاهت الصورة الطبيعية للحياة الزوجية، وأصبح القرار أكثر تعقيدًا، لكن رغم كل هذه التغيرات، لا يمكن القول إن المجتمع المصري فقد توازنه أو قيمه، فالضمير ما زال حيًا، يحتفظ بقدسية الأسرة واحترام الزواج، لكنه بات أكثر وعيًا ورفضًا للزواج غير الناضج أو القائم علي التسرع، وهذا في حد ذاته مؤشر إيجابي، يدل علي أن المجتمع يتطور في تفكيره، لا أنه يتراجع.
تري أن تأخر سن الزواج ليس مشكلة بقدر ما هو تعبير عن مرحلة جديدة يمر بها المجتمع، مرحلة تتشكل فيها المفاهيم من جديد، وتُعاد فيها صياغة أولويات الشباب والفتيات بما يتناسب مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي، فالزواج لم يعد نهاية الطريق كما كان يُنظر إليه في الماضي، بل قرار يرتبط بالنضج والمسؤولية والاستعداد الحقيقي لتكوين أسرة مستقرة، وربما آن الأوان لأن ننظر إلي هذه الظاهرة بعين الهدوء لا القلق، وأن نفهمها في إطارها الطبيعي كجزء من تطور المجتمع وتغيره، فالمجتمع المصري، رغم كل ما يمر به من تحديات، ما زال يحتفظ بثوابته وقيمه، ويظل قادرًا علي التوازن بين الحداثة والأصالة، بين الطموح الشخصي والمسئولية الاجتماعية، وستبقي الأسرة المصرية " كما كانت دائمًا" حجر الأساس في بناء هذا الوطن، مهما اختلفت الأجيال أو تغيّرت الظروف.













0 تعليق