جامعة اليرموك… حين يعلو صوت العلم وتبحث الدولة عن اللحظة المناسبة للاستماع - المصدر 24

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
جامعة اليرموك… حين يعلو صوت العلم وتبحث الدولة عن اللحظة المناسبة للاستماع - المصدر 24, اليوم السبت 15 نوفمبر 2025 11:15 صباحاً

المصدر 24 - جو 24 :

 

 

لم تكن زيارة سموّ الأمير الحسن بن طلال لجامعة اليرموك زيارة عابرة يمكن إدراجها ضمن الأنشطة البروتوكولية أو تدوينها في تقارير العلاقات العامة؛ بل كانت حدثًا يعيد الاعتبار لجوهر التعليم العالي، ويذكّر الدولة بأن مستقبلها الحقيقي يبدأ من جامعاتها لا من البيانات الإعلامية. بدت اليرموك في تلك اللحظة تنبض بروح مختلفة، وكأنها تستعيد دورها الطبيعي كمنارة للمعرفة، فيما يظلّ التعاطي الرسمي مع البحث العلمي يراوح مكانه، وكأنه بند قابل للتأجيل بلا تبعات. لقد شكّل حضور سموّه رسالة صريحة تؤكد أن الجامعة ليست مبنى، بل منصة للوعي والإبداع، وأن تجاهل البحث العلمي ليس خيارًا يمكن لدولة تحترم نفسها أن تستمر فيه.

هذه الزيارة جاءت بعد أسابيع من خطاب الأمير المؤثر في مؤتمر واقع البحث العلمي وأثره على الاقتصاد الوطني مطلع تموز الماضي، حين شدّد بوضوح على أن البحث العلمي ليس رفاهية ولا نشاطًا ثانويًا، بل محرّكًا اقتصاديًا وإنتاجيًا، وركنًا أساسيًا من أركان الأمن الوطني. كانت كلمات الأمير بمثابة دعوة لإعادة ترتيب الأولويات الوطنية، غير أن بعض المؤسسات الحكومية ما تزال تتعامل مع هذا الملف بمنطق تقليدي لا يتناسب مع حجم التحديات التي يواجهها الأردن.

وقد قدّم سموّه في ذلك المؤتمر رؤية متكاملة حول ضرورة تمويل البحث العلمي وتنظيمه، ووضع تشريعات واضحة تحميه من الارتجال وتضمن استمراريته. إن إصدار قانون وطني للبحث العلمي لا يُعدّ ترفًا تشريعيًا، بل خطوة إصلاحية جوهرية كان من شأنها إحداث تحول كبير لو أنّ الجهات التنفيذية تلقّفتها كما ينبغي. ورغم البطء في هذا المسار، يبقى الأمل قائمًا بأن تجد هذه الدعوات طريقها إلى خطط العمل الفعلية.

وفي زيارته لمدينة الحسن الصناعية وجامعة اليرموك، وأمام القيادات الأكاديمية والصناعية، أعاد سمو الأمير التأكيد على ضرورة تحويل المعرفة إلى إنتاج، وربط الجامعة بالصناعة، وتعزيز دور البحث العلمي في مسيرة التنمية الوطنية. وقد لاقت هذه الأفكار قبولًا واسعًا، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذا القبول إلى برامج عملية تُحدِث فرقًا ملموسًا بدل أن تبقى مجرد تصريحات حبيسة القاعات.

ولا يمكن تجاهل أن البحث العلمي في الأردن يعاني من تحديات تنظيمية وتشريعية ما تزال تعيق تقدمه. فبعض الجامعات تُفرِط في الإنفاق على الاحتفالات والفعاليات، بينما تبقى المختبرات بحاجة ماسّة إلى التجهيز والدعم. كما أن هوس التصنيفات العالمية يطغى أحيانًا على جوهر العملية التعليمية، فيُنظر إلى التصنيف بوصفه غايةً لا نتيجة للمستوى العلمي الحقيقي.

ويبدو أن الصورة التي رسمها المفكر بيتر فليمينغ في كتابه «الأكاديميا المظلمة: كيف تموت الجامعات؟» (Dark Academia: How Universities Die) ليست بعيدة عن واقع كثير من الجامعات عالميًا، حيث تتحول المؤسسات الأكاديمية إلى هياكل إدارية ضخمة بلا روح معرفية، وتنشغل بلغة "التميّز” و"البراند” و"الأثر” على حساب رسالتها العلمية. وهذا التحذير يضع جامعاتنا أمام مسؤولية مضاعفة للحفاظ على هويتها العلمية ومنع انزلاقها إلى هذا النموذج المقلق.

ومن هنا، تأتي دعوة سمو الأمير كخريطة طريق لإصلاح شامل لمنظومة البحث العلمي، يتطلب إعادة النظر في التشريعات القائمة، وتعزيز استقلالية الجامعات، وتحويلها إلى مؤسسات إنتاج معرفي، وتخفيف الأعباء الإدارية التي تستنزف وقت الأكاديميين وطاقاتهم على حساب الإبداع والابتكار.

كما أنّ معالجة مديونية الجامعات ليست مسألة مالية فحسب، بل خطوة ضرورية لضمان قدرتها على الاستثمار في البحث العلمي وتطوير برامجها وتوفير بيئة تعليمية قادرة على المنافسة. فالجامعة المثقلة بالديون تظلّ منشغلة بالبحث عن مصادر تمويل عاجلة بدلًا من الانكباب على دورها العلمي.

وفي النهاية، تبقى الحقيقة ثابتة: المعرفة جزء أساس من الأمن الوطني، والبحث العلمي هو بوابة أي نهضة تنموية حقيقية. وقد عبّر سمو الأمير عن هذه الحقيقة بوضوح، ولم يبقَ سوى أن تُترجمها الدولة إلى سياسات وخطوات عملية. فلا يمكن لدولة تسعى إلى النهوض أن تؤجل استحقاقات العلم.

فهل تتحرك الجهات المعنية لالتقاط هذه الرسائل وتحويلها إلى حلول واقعية؟

أم سنبقى نقف بين رؤية ملكية متقدمة واستجابة تنفيذية بطيئة لا تواكب طموح الوطن؟

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : جامعة اليرموك… حين يعلو صوت العلم وتبحث الدولة عن اللحظة المناسبة للاستماع - المصدر 24, اليوم السبت 15 نوفمبر 2025 11:15 صباحاً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق