نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
القانون الدّولي في مُواجهة الاختبار: الاغتِصاب كسِلاح حَرب #عاجل - المصدر 24, اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 07:25 صباحاً
المصدر 24 - كتب أزهر عبدالله طوالبه.
لم يعد الاغتصاب في زمن الحروب فعلًا شاذًا يقع في الظلال، بل تحوّل في العديد من النزاعات الحديثة إلى أداةٍ ممنهجةٍ تهدف إلى تحقيق غاياتٍ سياسية وعسكرية. هذا ما يثبته بوضوح تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الذي وثّق شهادات لمعتقلين ومعتقلات فلسطينيين تعرّضوا لتعذيبٍ جسديّ وجنسيّ على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، في واحدة من أبشع صور انتهاك الكرامة الإنسانية التي عرفها القانون الدولي في العصر الحديث.
من خلال قراءة متأنية للتقرير، تتّضح ملامح جريمةٍ مركّبة تتجاوز البعد الإنساني لتصل إلى صميم المساءلة الجنائية الدولية. فالأفعال الموثّقة فيه، والتي تشمل الاغتصاب، والتعرية القسرية، والاعتداءات الجنسيّة والتعذيب النفسي، تُعدّ بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني "جرائم حرب" و"جرائم ضدّ الإنسانية".
وقد نصّت المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 على أنّ الاغتصاب والعنف الجنسي يشكّلان جريمة ضد الإنسانية متى ارتُكبا في إطار سياسة عامة أو على نحوٍ منهجي ضد المدنيين، كما نصّت المادة الثامنة على اعتبارها من جرائم الحرب إذا ارتكبت ضد أشخاصٍ محميين في نزاعٍ مسلّح. هذه النصوص تجد صداها المباشر في مضمون التقرير، الذي يوثّق سلسلة من الأفعال التي وقعت على نحوٍ واسعٍ ومنظّم، وبإشرافٍ مباشر من سلطاتٍ عسكريةٍ وأمنيةٍ رسمية.
إنّ تكرار الشهادات وتشابه أنماط الاعتداءات يُسقط الادعاء بأنّ هذه الممارسات تصرّفات فردية أو أخطاء ميدانية. نحن أمام بنيةٍ متكاملةٍ من الانتهاك، تُستخدم فيها أجساد المعتقلين أدواتٍ للإذلال والإخضاع، في تجاوزٍ صريحٍ للمادة السابعة والعشرين من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي توجب احترام شرف الأشخاص وكرامتهم، وتحظر المساس بحريتهم الجسدية أو الاعتداء على عِرضهم تحت أيّ ذريعة. إنّ التقرير يقدّم أدلةً على أنَّ الاغتصاب قد استُخدم كوسيلةٍ للتعذيب والتحقيق وكسر الإرادة السياسية، وهو ما يرتقي إلى مستوى "الاغتصاب كسلاح حرب"، كما جرى توصيفه في فقه القضاء الدولي في قضيّتَي رواندا و"يوغسلافيا".
تنبع خطورة هذه الممارسات من كونها تمسّ القواعد الآمرة في القانون الدولي، وهي تلك التي لا يجوز الخروج عليها أو تقييدها بأيّ مبرّرٍ أو ظرفٍ استثنائي. فحظر التعذيب والعنف الجنسي قاعدةٌ مطلقة نصّت عليها "اتفاقية مناهضة التعذيب" لعام 1984، التي تُلزم الدول الأطراف بمنع التعذيب في جميع الحالات دون استثناء. كما يترتّب على مخالفة هذه القاعدة تفعيل مبدأ "الولاية القضائية العالمية"، الذي يُجيز لأيّ دولةٍ طرف في الاتفاقية أن تحاكم مرتكبي هذه الجرائم حتى لو لم تُرتكب على أراضيها، ما يجعل مسؤولية المجتمع الدولي مسؤولية مباشرة وغير قابلة للتنصّل.
إنّ استخدام الاغتصاب كوسيلة إذلالٍ سياسيّ هو جريمة لا تمسّ الأفراد وحدهم، بل تضرب في عمق الجماعة الوطنية التي ينتمون إليها. ففي سجون الاحتلال، يصبح الجسد الفلسطيني ساحةً إضافية للحرب، يُراد بها تفكيك المعنى الجمعي للكرامة والانتماء. وهذه الممارسة تندرج قانونًا ضمن أعمال الإبادة الجزئية التي تهدف إلى تدمير جماعةٍ قوميةٍ أو إثنيةٍ من الداخل، وفق المادة السادسة من "نظام روما الأساسي". وهو توصيفٌ يكتسب مشروعيته من طبيعة الجرائم الواردة في التقرير، إذ يتضح أنّها ليست معزولةً أو ناتجة عن فوضى ميدانية، بل نُفّذت في إطار توجيهاتٍ أمنيةٍ منظّمة، وبغطاءٍ سياسيٍّ وإعلاميٍّ واضح.
ومن الزاوية الإجرائية، يشكّل هذا التقرير وثيقةً ذات قيمةٍ قانونيةٍ يمكن الاستناد إليها أمام المحكمة الجنائية الدولية، بما أنه قائم على منهجية توثيقٍ دقيقةٍ جمعت بين الشهادات المباشرة والتحليل الحقوقيّ. وبالنظر إلى أنّ دولة فلسطين طرفٌ في نظام روما الأساسي منذ عام 2015، فإنّ هذا التقرير يوفّر أرضيةً قانونية لإحالة الملفّ رسميًا إلى المدعي العام في لاهاي، مع المطالبة بالتحقيق في المسؤولية الجنائية الفردية للجنود، والضباط، وصانعي القرار الذين أداروا أو سكتوا عن هذه الانتهاكات. فالمسؤولية في القانون الدولي لا تقتصر على الفاعل المباشر، بل تمتد إلى كلّ من أمر أو سمح أو امتنع عن منع وقوع الجريمة رغم علمه بها.
ولا يمكن إغفال البعد السياسي لهذا الملفّ، إذ يفضح التقرير ازدواجية المعايير التي يتعامل بها الغرب مع قضايا حقوق الإنسان. فالدول التي سارعت إلى إنشاء لجان تحقيقٍ في جرائم أقلّ فداحة في مناطق أخرى، تلتزم اليوم صمتًا مريبًا أمام شهاداتٍ دامغةٍ توثّق جرائم اغتصابٍ وتعذيبٍ ممنهج. هذا الصمت لا يعبّر عن عجزٍ قانوني، بل عن إرادةٍ سياسيةٍ تحصّن المعتدي وتُهمّش الضحية، وتحوّل القانون الدولي إلى أداةٍ انتقائيةٍ تُطبّق حسب الهُوية لا حسب الفعل.
إنّ التقرير لا يدين الاحتلال وحده، بل يضع المنظومة الدولية أمام امتحانٍ أخلاقيٍّ وقانونيٍّ عسير. فالسكوت عن هذه الجرائم هو تواطؤٌ مع مرتكبيها، والتهاون في ملاحقتهم هو انتهاكٌ جديدٌ يُضاف إلى سجلّ الصمت الطويل. وما لم يتحرّك المجتمع الدولي نحو مساءلةٍ فعلية، ستظلّ العدالة مجرّد وعدٍ مؤجَّلٍ يُقال في المؤتمرات، بينما تُنتهك الكرامة على أرضٍ لم تعرف غير الاحتلال والخذلان.
تُظهر هذه الوثيقة أنّ العدالة ليست ترفًا أخلاقيًا، بل واجبٌ قانونيّ لا يجوز التنازل عنه. فجرائم الاغتصاب والتعذيب التي ارتُكبت بحق الأسرى الفلسطينيين لا تسقط بالتقادم، ولا يُمكن تبريرها بذريعة الأمن أو الضرورة العسكرية. وعلى المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، بالتنسيق مع الهيئات الدولية، أن تُعدّ ملفًّا متكاملًا لإحالة هذه الوقائع إلى القضاء الدولي، وأن تُطالب بتشكيل لجنة تحقيقٍ أمميةٍ مستقلّة لجمع الأدلة وحماية الشهود، ضمانًا لعدم إفلات أحد من العقاب.
إنّ الاغتصاب حين يتحوّل إلى سياسةٍ رسميةٍ يُمارَس باسم الدولة، فإنّ الصمت حياله جريمةٌ موازية. وما وثّقه هذا التقرير لا يمسّ الفلسطينيين وحدهم، بل يمتحن ضمير القانون الدولي كلّه. فإمّا أن تنتصر العدالة لقيمها المعلَنة، أو تسقط في امتحانها الأخير أمام جسدٍ أعزلٍ انتهكت كرامته تحت رايةٍ ترفع شعار الديمقراطية.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : القانون الدّولي في مُواجهة الاختبار: الاغتِصاب كسِلاح حَرب #عاجل - المصدر 24, اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 07:25 صباحاً


















0 تعليق