الفيل الأبيض في جامعاتنا مراكز دراسات وكراسي علمية تلتهم المال وتلد الصمت . ٢_٢. - المصدر 24

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الفيل الأبيض في جامعاتنا مراكز دراسات وكراسي علمية تلتهم المال وتلد الصمت . ٢_٢. - المصدر 24, اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 07:25 صباحاً

المصدر 24 - جو 24 :

 

في كل مرة نحاول فيها تفسير سبب تراجع جامعاتنا وارتفاع مديونياتها وتآكل مكانتها، نجد أنفسنا أمام مشهد مألوف حدّ الألم: قرارات تُتخذ بعشوائية، ومشاريع تُعلن بزخمٍ إعلامي صاخب، وكراسي علمية ومراكز دراسات تُنشأ وتُموَّل بسخاء، ثم تُنسى في دهاليز البيروقراطية كما تُنسى التحف القديمة في المتاحف. إنها نسخة محلية من "نظرية الفيل الأبيض” بكل تفاصيلها: ضخامة في الشكل، وعقم في المضمون.

لقد تحولت بعض جامعاتنا إلى ورشٍ لتفريخ مراكز الدراسات التي لا تدرس شيئًا، وكراسٍ علمية لا تحمل سوى الاسم. في كل جامعة "مركز” جديد و”كرسي” مهيب، واحتفالٌ ملوكي بالإطلاق، وصورٌ رسمية تُنشر على المنصات، ثم صمتٌ مطبق لا يعقبه بحث، ولا تقرير، ولا توصية. المال يُنفق، والمكاتب تُجهَّز، والمكيفات تعمل ليلًا ونهارًا، لكن الفكرة تموت قبل أن تولد، والمركز يتحول إلى "غرفة راحة” لبعض الإداريين والباحثين المتقاعدين الذين وجدوا في "الفيل الأبيض الأكاديمي” ملاذًا دافئًا من ضجيج الفشل.

لا أحد يسأل عن الجدوى، ولا أحد يحاسب عن النتائج. نُقيم الكيانات كما يُقيم بعضهم الأعراس: استعراض، وتفاخر، وتصوير، ثم فراغ. الغريب أن الجامعات التي تُعلن عجزها المالي كل عام، وتصرخ مطالبة بالدعم الحكومي، لا تتردد في فتح مركز جديد، أو إطلاق "كرسي علمي” باسم شخصية مرموقة لا علاقة لها بالبحث ولا بالعلم. المهم أن نلتقط الصورة وأن نُسجّل "الإنجاز” في التقرير السنوي.

وحين نتساءل: لماذا تقدّم الآخرون وتراجعنا نحن؟ لماذا تصعد الجامعات حول العالم في التصنيفات بينما جامعاتنا تتدحرج عامًا بعد عام؟ لماذا ترتفع المديونية رغم أننا لا نبني مختبرات ولا نمول أبحاثًا حقيقية؟ يكون الجواب دائمًا مُبهَمًا، لكن الحقيقة واضحة: لأننا نستثمر في الوهم ونحارب الحقيقة. لأننا نُحب المظهر ونكره الجوهر. ولأننا نُقنع أنفسنا بأن المؤتمرات الورقية والتقارير البراقة هي "بحث علمي”، وأن الندوات التي يحضرها خمسة أشخاص هي "مساهمة مجتمعية”.

في جامعاتنا، يُكافأ من يرفع شعار "التميز” على الورق أكثر ممن يُنجز في الميدان. يُحتفى بمن يكتب مشروعًا لا يُنفّذ، ويُنسى من يقدّم بحثًا مؤثرًا أو فكرة إصلاحية. نُكرم الخطابة بدل الفكرة، ونحتضن العلاقات العامة بدل الكفاءة. حتى "الكراسي العلمية” التي يفترض أن تكون منابر للبحث والتجديد، تحولت إلى كراسٍ للجلوس على الأمجاد، لا للجلوس إلى العلم.

أحيانًا أشعر أننا نعيش في فيلمٍ أكاديمي طويل عنوانه "التمثيل البحثي”. نكتب الخطة، نحتفل بالتوقيع، نصدر بيانًا صحفيًا، ثم نذهب جميعًا إلى بيوتنا راضين عن أنفسنا، مطمئنين أن الفيل الأبيض قد وُلد بنجاح، وأن ميزانيته أُدرجت في الحسابات، ولا بأس إن لم يتحرك أو ينهض، فالغرض لم يكن الإنجاز، بل الظهور.

هذه المراكز وهذه الكراسي أصبحت رمزًا للتخمة الإدارية وغياب الرؤية. إنها تعبيرٌ عن أزمة فكرٍ قبل أن تكون أزمة تمويل. فحين تغيب الأولويات وتُدار الجامعات بمنطق "الشكل قبل المضمون”، يصبح طبيعيًا أن نرى جامعة مثقلة بالمديونية تُقيم مؤتمرات فخمة عن "الإبداع والابتكار”، أو مركز دراسات لا ينتج ورقة بحثية واحدة يناقش "التميز في البحث العلمي”.

كفانا خداعًا لأنفسنا. لقد تعب الوطن من "الفيلة البيضاء” التي تأكل من جسده باسم التعليم والبحث والتطوير. المطلوب اليوم ليس مركزًا جديدًا ولا كرسيًا آخر، بل فكرًا صادقًا يضع النقاط على الحروف. المطلوب جامعة تعرف ما تريد، وتفعل ما تقول، وتُنتج ما تُعلن. المطلوب أن نكفّ عن تجميل الفشل بالأسماء الكبيرة واليافطات المضيئة، وأن نبدأ من جديد ببساطة وصدق.

نعم، جامعاتنا بحاجة إلى "ثورة هادئة”، تُعيد الاعتبار للعلم لا للعرض، وللباحث لا للواجهة. فالفيل الأبيض مهما بدا عظيمًا، سيبقى عاجزًا عن السير، وسيبقى عبئًا على من يطعمه. ونحن، ما لم نتحرر من هذا الإرث الأكاديمي العقيم، سنبقى ندور في الدائرة نفسها: نُقيم المشاريع لنتباهى بها، ثم نسأل — كما نفعل كل عام — لماذا تقدم الآخرون، ولماذا تراجعنا نحن.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : الفيل الأبيض في جامعاتنا مراكز دراسات وكراسي علمية تلتهم المال وتلد الصمت . ٢_٢. - المصدر 24, اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 07:25 صباحاً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق