سوريا تعود إلى واشنطن.. وملفّ الدروز يفتح بوابة الجولان - المصدر 24

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سوريا تعود إلى واشنطن.. وملفّ الدروز يفتح بوابة الجولان - المصدر 24, اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 03:31 مساءً

المصدر 24 - جو 24 :

كتب زياد فرحان المجالي - 

في زمنٍ تتبدّل فيه التحالفات كما تتبدّل خرائط النفوذ، جاءت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى البيت الأبيض لتفتح صفحة جديدة من تاريخ الشرق الأوسط. زيارةٌ كُتبت بعناية على هامش الحرب الطويلة، وحُفرت في ذاكرة السياسة الدولية كأول لقاء بين رئيس سوري ونظيره الأميركي منذ أكثر من سبعين عاماً.

لكنّ ما جعلها استثنائية لم يكن المشهد في واشنطن فحسب، بل التوقيت ذاته: ففي اللحظة التي كانت فيها كاميرات البيت الأبيض تلتقط صور الشرع إلى جانب ترامب، كانت الطائرة التركية التي تقل وزير الخارجية هاكان فيدان تهبط في العاصمة نفسها. مشهدٌ متزامن لا يمكن قراءته على أنه مصادفة، بل جزء من لوحة إعادة هندسة الشرق الأوسط بمعادلاتٍ جديدة.

من العزلة إلى الحضور

تولّى أحمد الشرع رئاسة سوريا بعد سقوط حكم بشار الأسد أواخر عام 2024، حاملاً على كتفيه مهمةً معقدة: إعادة الدولة من أنقاض الحرب إلى خريطة الشرعية الدولية.

ومنذ خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدا واضحًا أن دمشق تُعيد تعريف نفسها، لا كدولة محاصرة، بل كفاعل يبحث عن توازن جديد في الإقليم.

اللقاء في البيت الأبيض، وإن جرى خلف الأبواب المغلقة، كان بمثابة إعلانٍ سياسي بأن واشنطن لم تعد ترى في سوريا "دولة منبوذة”، بل "فرصة لإعادة ضبط موازين القوى” في منطقة تتغير بسرعة مذهلة.

تركيا على الخط ذاته

في التوقيت نفسه تقريبًا، كانت أنقرة تقترب من واشنطن بخطابٍ جديد؛ لا للخصومة ولا للوساطة فقط، بل للشراكة في هندسة الحل السوري.

هاكان فيدان جاء إلى العاصمة الأميركية في لحظة حساسة، حاملاً تصوراً تركياً يقوم على "البراغماتية المتقدمة”: لا إسقاط للنظام ولا تمكين مطلق له، بل ترويضٌ سياسي يضمن لتركيا حدودًا آمنة وموقعًا في طاولة القرار.

وجوده المتزامن مع زيارة الشرع لم يكن تفصيلاً عابراً، بل دليلاً على أن الملف السوري دخل مرحلة "التقاطع الثلاثي”: دمشق الجديدة، أنقرة الضامنة، وتل أبيب المترقّبة.

ما وراء اللقاءات المغلقة

لم يكن بيان البيت الأبيض سوى قشرةٍ دبلوماسية تخفي تحتها مشهدًا أعمق من الكلمات المنمّقة.

فقد كشفت تسريبات إعلامية متقاطعة عن مداولاتٍ حساسة حول ملف الدروز في السويداء، واحتمال منحهم شكلاً من الإدارة الذاتية المحدودة تحت السيادة السورية، بضمانات إقليمية تشمل تركيا وإسرائيل.

الطرح الإسرائيلي جاء على قاعدة "اللامركزية الأمنية”: إدارة مدنية محلية مقابل التزامٍ سوري بعدم السماح لأي نفوذ إيراني أو نشاطٍ مسلّح في الجنوب.

بهذا المعنى، كانت الزيارة السورية إلى واشنطن أكثر من لقاء سياسي؛ كانت تفاهمًا أوليًا على هندسة الجغرافيا بالسياسة، لا بالقوة.

دمشق بين البراغماتية والسيادة

من منظور الشرع، لم يكن هذا الطرح مرفوضاً بالمطلق.

الرجل الذي وصل إلى السلطة عبر صراعٍ طويل مع فوضى الحرب يدرك أن المرونة ليست ضعفاً، بل وسيلة للبقاء.

لذلك، أبدت دمشق استعدادها للنظر في نموذجٍ إداري خاص بالسويداء ضمن إطار الدولة الواحدة، لا كتنازل عن السيادة بل كمشروع "احتواء ذكي” للخصوصية الدرزية وللهواجس الأمنية الإسرائيلية معاً.

بهذه المقاربة، يحاول الشرع أن يقدّم بلده كدولةٍ جديدة تعرف كيف تُفاوض دون أن تُفرّط، وكيف تفتح النوافذ دون أن تُسقط الجدران.

الدور التركي: من الوسيط إلى الضامن

تركيا دخلت المشهد ليس فقط كوسيط، بل كضامنٍ أمني واقتصادي لمرحلة ما بعد الحرب.

هاكان فيدان أبلغ واشنطن أن بلاده "لن تعترض على أي صيغة حكم محلي داخل سوريا ما دامت تحت سقف الدولة المركزية”، ما اعتُبر في العواصم الغربية ضوءًا أخضر مشروطًا لأي تجربة إدارية جنوبية.

أنقرة تدرك أن الانفتاح الأميركي على دمشق قد يعيد التوازن إلى المشهد السوري، وأن غيابها عن هذا المسار سيجعلها خارج معادلة ما بعد الحرب. لذا كان حضورها في واشنطن جزءاً من تحوّل استراتيجي في موقعها الإقليمي، من طرفٍ مراقب إلى طرفٍ فاعل في صياغة الحلول.

الموقف الروسي والإيراني

موسكو وطهران تابعتا الزيارة بقلقٍ محسوب، لكنهما لم تُظهرا اعتراضاً علنياً.

روسيا، التي تعتبر سوريا آخر أوراق نفوذها في المتوسط، أرسلت رسائل دبلوماسية ناعمة تقول إن أي تفاهم لا يشملها "لن يدوم طويلاً”.

أما إيران، فترى في هذا التحالف الثلاثي الجديد (واشنطن–أنقرة–دمشق) تهديداً مباشراً لممرّها البري الممتد من طهران إلى بيروت.

مصادر قريبة من طهران كشفت أن القيادة الإيرانية تدرس الآن "خيارات التكيّف”، بين استمرار الحضور العسكري المحدود أو الانتقال إلى نفوذٍ اقتصادي غير صدامي.

هكذا، تبدو موسكو وطهران أمام اختبارٍ جديد: هل تقبلان بشراكةٍ جزئية في الحل، أم تعودان إلى لعبة التعطيل التقليدية؟

المعارضة السورية بين الغياب والتوظيف

في خضمّ هذا الحراك، غابت المعارضة السورية التقليدية عن الصورة، لكن واشنطن لم تُغفلها تماماً.

فثمة نقاش داخل الإدارة الأميركية حول إعادة تشكيل هيئة سياسية صغيرة تضم شخصيات من الداخل السوري، لتكون "صوتاً مدنياً” في أي تسوية مقبلة.

وللمفارقة، فإن عودة المعارضة إلى الواجهة هذه المرة قد لا تكون بقرارٍ منها، بل بإرادة من القوى التي طالما تجاهلتها، في محاولة لإعطاء أي اتفاقٍ غطاءً محلياً ولو رمزياً.

بوادر تفاهم غير معلن

المصادر المتقاطعة من واشنطن وتل أبيب تؤكد أن هناك مشروع تفاهم أولي يضم ثلاث نقاط رئيسية:

1. منح إدارة مدنية للدروز في السويداء بإشراف محافظ يتبع لدمشق، بصلاحيات أوسع في التعليم والخدمات والأمن المحلي.

2. التزام سوري بإبعاد النفوذ الإيراني والفصائل المسلحة عن الجنوب.

3. فتح قناة اتصال غير مباشرة بين الجانبين السوري والإسرائيلي عبر وسيط أميركي أو تركي.

هذا التفاهم لم يُعلن رسميًا بعد، لكنه يتداول في الإعلام العبري بوصفه "الاتفاق الهادئ” الذي سيغيّر شكل الحدود الشمالية لإسرائيل دون أن تُطلق رصاصة واحدة.

بين المكسب والمأزق

الولايات المتحدة ترى في هذا التفاهم فرصةً لإدارة الصراع لا لحلّه.

دمشق تعتبره خطوة لاستعادة الشرعية الدولية.

أما إسرائيل، فتنظر إليه كصفقة أمانٍ استراتيجية تعفيها من كلفة الجبهة السورية لعقدٍ قادم.

لكنّ الخطر يكمن في أن يتحوّل "الحكم المحلي الدرزي” إلى سابقةٍ تُفتح منها شهية الأقليات الأخرى، فيتحول النموذج السوري إلى عراقٍ مصغّر: دولة واحدة على الورق، وعدّة كيانات على الأرض.

المشهد القادم

من المتوقع أن يشهد ديسمبر المقبل اجتماعاً أممياً لمناقشة آليات دعم "الإدارة المحلية في الجنوب السوري”، وهو الاسم الدبلوماسي للمشروع الجديد.

في المقابل، تدرس واشنطن خطوات تدريجية لتخفيف العقوبات (قانون قيصر) مقابل إصلاحاتٍ ملموسة من دمشق.

أما تركيا، فبدأت بتهيئة ممرّات اقتصادية عبر شمال سوريا لدخول الاستثمارات الإنسانية والإعمارية، في إشارةٍ واضحة إلى أن مرحلة ما بعد الحرب قد بدأت — ولكن بشروطٍ جديدة.

وإذا ما سارت هذه الخيوط المتقاطعة في الاتجاه الصحيح، فقد تكون نهاية 2025 بداية خريطة شرق أوسط جديدة تُرسم لا بالمدافع، بل بالتفاهمات.

هكذا، في ليلةٍ واحدة بواشنطن، وُلد مشهد سياسي جديد:

رئيس سوري يجلس في المكتب البيضاوي بعد سبعة عقود من الغياب، ووزير تركي يتحرك في القاعات المجاورة لضمان التوازن، وإسرائيل تراقب الجنوب بقلقٍ واطمئنان في آنٍ واحد.

بين البيت الأبيض والجولان، تتشكل ملامح سوريا مختلفة — أقل عزلة، وأكثر اندماجًا في معادلة أمنية إقليمية معقّدة.

ربما لا يُكتب في التاريخ أن هذه الزيارة أنهت الحرب، لكنها بالتأكيد فتحت الطريق لشرقٍ أوسطٍ يعيد تعريف نفسه من جديد:

شرقٍ لا يُدار بالعداء، بل بإدارة المصالح…

ولا يُبنى على الخوف، بل على توازنٍ هشّ اسمه الواقعية السياسية.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : سوريا تعود إلى واشنطن.. وملفّ الدروز يفتح بوابة الجولان - المصدر 24, اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 03:31 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق