نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
نباتات خارقة بعضها مفترس للحشرات.. تعرف إليهم - المصدر 24, اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 04:57 مساءً
المصدر 24 - تُعَدّ النباتاتُ من أكثرِ الكائناتِ الحيّةِ دهشةً في طبيعتِنا؛ فبعضُها يحملُ قدراتٍ خارقةٍ ظاهريّاً، أو يعيشُ في ظروفٍ قاسيةٍ لا تُصدّقُ، أو يستخدمُ آلياتَ غريبةً للبقاءِ والتكاثرِ.
في عالمٍ تتزايدُ فيهِ سرعةُ التغييرِ التكنولوجيِّ، تذكّرنا النباتاتُ بأنّ الطبيعةَ لديها ما يفوقُ «العاديَّ»، من نباتٍ يعيشُ لأكثرَ من ألفِ سنةٍ في الصحراءِ، إلى نباتٍ يستجيبُ للمسِّ فيغلق أوراقَهُ في لحظةٍ، إلى نباتٍ يُنتجُ أوراقاً تفقسُ نباتاً صغيراً بجانبِها تلقائيًّا هذه القدراتُ تمنحُنا نظرةً إلى احتماليّاتِ التطوّرِ والبقاءِ في أقسى البيئاتِ.
كما أنّها تُعدّ ميداناً علمياً لعِلماءِ الأحياءِ والوراثةِ والنباتاتِ، فكلُّ ميزةٍ خارقةٍ تحملُ سؤالاً: كيفَ طوّرَتها الطبيعةُ؟ وما الذي يمكنُ للبشرِ تعلّمهُ منها؟
1. Welwitschia mirabilis – «أوراقانِ لعمرٍ أبيض»
ينمو هذا النباتُ في صحراءِ ناميبيا وأنغولا، ويُعدّ أحدَ أطولِ النباتاتِ عمرًا، إذ يُقدَّرُ بأنّ بعضَ أفرادهِ عاشَ أكثرَ من 1000 سنةٍ.
الغريبُ فيهِ أنّهُ ينتِجُ ورقتينِ فقط طوالَ حياتهِ، وهما الأوراقُ الأصليةُ التي خرجت من البذرة، وبعدها ينمو النباتُ لكن لا يتغيّرُ عددُ الأوراقِ.
يعيشُ في بيئةٍ جافّةٍ جداً، حيثُ النُّدرةُ المائيّةُ والحرارةُ العاليةُ، غيرَ أنَّ جذرهُ العميقَ وانخفاضُ معدّلِ الأيضِ جعلاه قادرًا على البقاءِ في ظروفٍ تكادُ تنعدمُ فيها الحياةُ النباتيّةُ الأخرى. يمكنُ أن نرى فيهِ تجسيداً لـ«الخلودِ النباتيِّ» أو على الأقلِ للحياةِ الطويلةِ والأداءِ المتأقلمِ وهو ما يفتحُ أبوابًا للتساؤلِ عن تطوّرِ الأحياءِ في البيئاتِ القاسيةِ.
2. Dionaea muscipula – «الفخّ السريعُ: نباتُ الذّبابِ»
يُعرَفُ هذا النباتُ بـ «نباتِ الذبابِ» أو «الفخّ السريعِ»، وهو أحدُ نباتاتِ اللحميّةِ (carnivorous plants) التي تطوّرت لتؤمِّنَ عناصرَ غذائيّةً في تربةٍ فقيرةٍ (غنيةٍ بالحمضِ غالبًا) من خلالِ افتراسِ الحشراتِ.
ما يميّزُهُ أنّ أوراقَهُ تعملُ كغلافٍ يُغلقُ بسرعةٍ عندَ لمسِ شعرٍ حساسٍ داخلَهُ، فيلتقطُ الحشرةَ ويبدأُ هضمها. أسرعُ حركةٍ في عالمِ النباتِ تقريبًا. يُعدّ هذا التصميمُ مثالاً على الابتكارِ التطوّريّ ومصدرَ إلهامٍ لعلماءِ الهندسةِ الحيويّةِ (biomimetics).
عندما نقرأُ عنهِ، نفهمُ أنّ «النباتاتُ الضعيفةُ» ليستْ دوماً أقلّ ابتكاراً، فقد تطوّرت لتصبحَ طرائدَ في مواطنِها، مُحوّلةً ضعفَ البيئةِ إلى ميزةٍ خارقةٍ.
3. Selaginella lepidophylla – «نباتُ القيامةِ: يكمُشُ ويعودُ للحياة»
في المناطقِ الجافّةِ للغايةِ، يوجدُ هذا النباتُ الذي يُعرفُ بـ «نباتِ القيامةِ» لأنهَ عندَ الجفافِ الشديدِ ينكمشُ ويأخذُ شكلَ كرةٍ جافّةٍ مكوّشةٍ لسنواتٍ، ثمّ عندَ وصولِ الماءِ يستعيدُ لونهَ الأخضرَ ويتوسيخُ مرةً أخرى.
آليّةُ هذا الانكماشِ والانفتاحِ ترتبطُ بتغيّراتِ التوترِ المائيّ داخلَ أنسجةِ النباتِ، وهو مثالٌ حيٌّ على التكيّفِ مع الظروفِ القاسيةِ والتوقفِ المؤقّتِ للحياةِ الظاهريّةِ (dormancy) دونَ أن تفقدَ النباتُ حيويّتَهُ.
نستطيعُ أن نستخلصَ من هذا نباتًا يحملُ رسالةً: في أصعبِ الظروفِ، يُمكنُ أن يتوقّفَ الزمنُ للنَبَةِ، لكن إذا توفّرتْ القطرةُ الصحيحةُ، فلَها العودةُ مجدّداً.
4. Kalanchoe pinnata – «نباتُ المعجزةِ: تكاثرٌ عبرَ حافةِ الورقة»
من مدغشقر، ينتشرُ هذا النباتُ العصاريُّ في مناطقَ tropic/subtropic، ويتميزُ بقدرتِهِ الغريبةِ على إنتاجِ نباتاتٍ صغيرةٍ (نُسخٍ نباتيّةٍ) عندَ حوافِ أوراقهِ، عندَ كلِّ سنبُلٍ أو نتوءٍ في حافّةِ الورقةِ ينمو نباتٌ جديدٌ بجذورٍ وسيقانٍ صغيرةٍ.
هذهِ الطريقةُ تكَسَّرُ النهجَ المركزيَّ التقليديَّ لِتزايدِ النباتِ (بالبذورِ وحدها)، وتُعدّ نموذجًا لتكاثرٍ نباتيٍّ مدهشٍ. في الدراساتِ التقليديّةِ للنباتاتِ يُدرَسُ هذا النوعُ كحالةٍ متطوّرةٍ تكيفيًّا ومن الممكنِ أن تكونَ لهُ آثارٌ في الزراعةِ المستقبليةِ أو الاستنساخِ النباتيِّ.
إذا فكّرناَ: نباتٌ ينتجُ «طفلاً» على حافتهِ، فنحنُ أمامَ مبدأٍ مختلفٍ في الحياةِ النباتيّةِ لا يقلُّ غرابةً عن المخلوقاتِ الخياليّةِ.
5. Nepenthes rafflesiana – «جيِّنِتِسيغا: نباتُ الجرّةِ الحادقةِ»
من بين نباتاتِ اللحميّةِ الأكثرِ تطوّراً، توجدُ جرّاتُ “نِبْنثِس” التي تتغيّرُ بنيتُها لتتصيدَ الحشراتَ، بل حتى الحيواناتِ الصغيرةِ في بعضِ الأنواعِ. وفي بحثٍ حديثٍ تبيّنَ أنّ سائِلَ الجرّاتِ لدى Nepenthes rafflesiana يمتازُ بخاصّيةٍ فيزيو‑ريولوجيّةٍ (visco‑elastic) تجعلهُ يحتبِسُ الحشراتَ حتى لو تمّ تخفيفُه بالماء.
هذا الاكتشافُ يُظهرُ أنّ فعليّةَ هذه النباتاتِ ليستْ مجردُ تراكُمِ إنزيماتٍ أو حمضٍ هاضمٍ، بل تصميمٌ فيزيائيٌّ حيٌّ يُخطّ لهُ ألفُ حلّةٍ تطوّريّةٍ لضبطِ الفريسةِ.
من هنا، يمكنُ القولُ إنّ بعضَ النباتاتِ ليستْ تابعةً فقط لبيئتها، بل هي مهندَسةٌ في بيئتها، تُعدّلُها وتُصمّمُها لتلائمَ بقائها.
6. نباتاتٌ أخرىٌ تستحقُّ الذكرَ سريعًا
نباتٌ كـ Rafflesia arnoldii: أكبرُ زهرةٍ فرديّةٍ في العالمِ، تنموُ كطفيليّةٍ في غاباتِ جنوب شرقِ آسيا، بلا جذورٍ أو أغصانٍ واضحةٍ وغالبًا ما يُطلقُ عليها «زهرةُ الجثة» بسببِ رائحتِها.
نباتٌ كـ Paphiopedilum rothschildianum: أحدُ أغلى أنواعِ الأوركيدِ في العالمِ، يجذبُ انتباهَ الباحثينَ بهيئتِهِ وتكيّفه.
نباتٌ كـ Tacca chantrieri: ذو شكلِ زهرةٍ أشبهَ بوطواطٍ سوداءِ، يُعرَفُ أيضاً بـ «زهرةِ الشيطان».
ما يجمعُ هذه الأمثلةَ وأكثرَ من غيرِها من النباتاتِ المذهلةِ، هو التالي:
الأداءُ التطوّريُّ العاليُ: سواءٌ في البيئةِ الصّحراويّةِ أو البيئاتِ المداريةِ، تكيّفتْ النباتاتُ بهذه الخصائصِ. الندرةُ أو الاختصاصُ البيئيّ: فبعضُها يعيشُ في مواطنَ شديدةِ القسوةِ، أو تُعدُّ أنواعا نادرةً أو مهدّدةً. القدرةُ على إبهارِ الإنسانِ: فالميكانيكا النباتيّةُ أو الشكلُ أو التكيّفُ يتعدّيان مجردَ نباتٍ جميلٍ إلى نباتٍ يستحقُّ الدراسةَ أو الإعجابَ. الدرسُ العلميُّ والتطبيقيُّ: فالباحثونَ اليومَ يستلهمونَ من هذه النباتاتِ أفكاراً في الهندسةِ الحيويّةِ، والموادِ: كيفَ تطوّرتْ أليافُها أو ألواحُها أو طريقةُ فتحِها وغلقِها؟ماذا تعنيُ هذه النباتاتُ بالنسبةِ لنا؟
إذا نظرناَ إلى عالمِنا اليومَ، نجدُ تحدّياتٍ كبرى في مجالاتِ البقاءِ والتكيّفِ: تغيّرُ المناخِ، الجفافُ، فقدانُ التنوعِ البيولوجيِّ، نقصُ المواردِ. في هذا السياقِ، تمنحُنا تلك النباتاتُ «نُقطةَ أملٍ» أو «نُقطةَ تأمّلٍ» بأنّ الحياةَ قادرةٌ على الابتكارِ أكثرَ مما نتصوّرُ.
علاوةً على ذلك، تُذكّرُنا بأنّ النموَّ ليس بالضرورةِ أنّ يكونَ «أكثرَ» أو «أطولَ»، بل أذكى كما في نباتِ الأوراقَينِ (Welwitschia) الذي جعلَ حياتهُ طويلــةً بسيطَ الورقتينِ.
وفي زراعةِ المستقبلِ، أو في استدامةِ المواردِ، يمكنُ أن يستلهِمَ المُزارِعُ أو المهندسُ هذه الخصائصَ: نباتٌ يتحمّلُ الجفافَ، أو نباتٌ ينتجُ نباتاً من الورقةِ تلقائيًّا، أو نباتٌ يستطيعُ أن يحولَ صعوبةَ البيئةِ إلى ميزةٍ.
إنّ النباتاتَ ذاتَ الخصائصِ الخارقةِ أو غيرِ المعروفةِ للعامةِ ليستْ مجرّدَ مساءلاتٍ لعلماءِ النباتِ، بل هي رسائلٌ حيّةٌ من الطبيعةِ: بأنّ التكيّفَ والابتكارَ ليسا حكراً على الإنسانِ، وأنّ الحياةَ ذاتُ قدراتٍ تفوقُ ما نراهَ في بعضِ الرواياتِ.
في كلّ ورقةٍ، في كلِّ زهرةٍ، في كلِّ نباتٍ «غريبٍ»، هناكَ عالمٌ من العلومِ والتاريخِ والبيئةِ، ينتظرُ من نفتحَ أعينَنا لهِ. فلنرحِبْ بهذه النباتاتِ، وننظُرَ إليها باحترامٍ وتقديرٍ، ليسَ فقط لجمالِها، بل لقصّتها وبُعدِها الذي يعجزُ عن التصوّرِ.











0 تعليق