نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
متحف الإرميتاج: جوهرة سانت بطرسبرغ وذاكرة القياصرة - المصدر 24, اليوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 05:35 مساءً
المصدر 24 - يُعد متحف الإرميتاج في سانت بطرسبرغ أحد أعظم المتاحف الفنية والتاريخية في العالم، ليس فقط لضخامته المذهلة وتنوّع مجموعاته، بل أيضًا لقيمته المعمارية والتاريخية التي تجسد فخامة العهد الإمبراطوري الروسي. يضم المتحف ستة مبانٍ تاريخية مترابطة أبرزها "قصر الشتاء" (Winter Palace)، الذي كان المقر الرسمي لقياصرة روسيا لقرون طويلة، وهو اليوم القلب النابض للمتحف وأحد أكثر معالم المدينة زيارة. ويُقال إن زيارة الإرميتاج ليست رحلة في الفن فحسب، بل في التاريخ الإنساني نفسه، إذ يستحيل استكشافه في يوم واحد نظرًا لضخامة محتوياته.
تاريخ الإرميتاج وبداياته الإمبراطورية
تعود جذور متحف الإرميتاج إلى منتصف القرن الثامن عشر عندما أسسته الإمبراطورة كاثرين الثانية (كاثرين العظيمة) عام 1764، بعد شرائها مجموعة ضخمة من اللوحات الأوروبية من أحد التجار الألمان. ومع مرور الوقت، تحوّل القصر إلى مركز فني راقٍ يجمع روائع العالم تحت سقفٍ واحد. وقد توسّعت المجموعات تدريجيًا حتى أصبحت تضم اليوم أكثر من 3 ملايين قطعة فنية تتوزع على حقب تاريخية وثقافات متعددة.
تُروى حكايات كثيرة عن شغف كاثرين بالفن، إذ كانت ترى في اقتناء اللوحات والمنحوتات وسيلة لتأكيد مكانة روسيا كقوة ثقافية وحضارية، وليس فقط سياسية. ولأنها كانت تُفضل الهدوء والعزلة، أطلقت على جناحها الفني اسم "الإرميتاج" أي "المكان المنعزل" بالفرنسية، وهو الاسم الذي حمله المتحف حتى اليوم. وخلال القرون التالية، أضاف القياصرة والأمراء المزيد من المقتنيات، لتصبح المجموعة أشبه بموسوعة بصرية لتاريخ البشرية.
قصر الشتاء: تحفة هندسية وسكن القياصرة
يُعد قصر الشتاء، أبرز مباني الإرميتاج، تحفة فنية قائمة بذاتها. بُني بين عامي 1754 و1762 على يد المهندس الإيطالي الشهير بارتولوميو راستريلي، بأسلوب الباروك المتألق الذي يجمع بين الفخامة الأوروبية والروح الروسية. كان القصر مقر إقامة القياصرة ومسرحًا لأحداثٍ سياسية فارقة في تاريخ روسيا، أبرزها الثورة البلشفية عام 1917 التي شهدت اقتحامه وتحوله لاحقًا إلى متحف وطني.
من يدخل القصر يشعر وكأنه انتقل إلى عالمٍ موازٍ من الفخامة الملكية؛ فالقاعات تزيّنها الثريات الكريستالية العملاقة، والجدران مطلية بالذهب والأحجار الكريمة، والسلالم الرخامية تعكس روعة الفن الإمبراطوري. من أبرز قاعاته "قاعة المالاكايت" المكسوة بالأحجار الخضراء، و"قاعة العرش" التي كانت مركز الاحتفالات الرسمية. زيارة قصر الشتاء لا تقتصر على التمتع بجماله الداخلي فحسب، بل تمنح الزائر نافذة على نمط الحياة الملكية التي عاشها القياصرة قبل قرون.
روائع الفن في قلب الإرميتاج
يضم متحف الإرميتاج واحدة من أغنى المجموعات الفنية في العالم، تمتد من الحضارات القديمة حتى الفن الحديث. ففي أروقته يمكن مشاهدة روائع لفنانين عظماء مثل ليوناردو دا فينشي، وميكلانجلو، ورامبرانت، وروبنز، وبيكاسو، وفان غوخ، ومونيه، وغيرهم. كما يحتوي على مجموعات أثرية من مصر واليونان وروما القديمة، وأعمال فنية من الشرق الأوسط وآسيا، إلى جانب مجموعات فريدة من المجوهرات، الأثاث الإمبراطوري، والأزياء التاريخية.
ويُقال إنك لو خصصت دقيقة واحدة فقط لمشاهدة كل قطعة في المتحف، فستحتاج إلى أكثر من عشر سنوات لتراها جميعًا. ولهذا يُنصح الزوار بتحديد أقسام معينة لزيارتها حسب اهتماماتهم، كالفن الأوروبي الكلاسيكي أو التحف الروسية أو المعروضات الأثرية. وقد طوّر المتحف في السنوات الأخيرة تقنيات رقمية وجولات افتراضية تتيح استكشاف مقتنياته إلكترونيًا، ما جعله متاحًا لعشاق الفن في كل أنحاء العالم.
في الختام، يظل متحف الإرميتاج أكثر من مجرد صرح ثقافي؛ إنه شهادة حية على عشق روسيا للفن والحضارة، وجسر يربط بين الماضي الإمبراطوري والمستقبل الإبداعي. من يتجول في قاعاته يشعر بأنه يسافر عبر الزمن، بين أمجاد القياصرة وعبقرية الفنانين، وبين التاريخ والجمال الإنساني في أسمى صوره. زيارة الإرميتاج ليست مجرد رحلة سياحية، بل تجربة روحية تذكّرنا بأن الفن هو اللغة التي تتحدث بها الحضارات مهما اختلفت الأزمنة والحدود.







0 تعليق