نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أُعجوبةُ نحتٍ فريدةٌ في العالم: "الخروج من الخطيئة" - المصدر 24, اليوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 05:35 مساءً
المصدر 24 - الرُخامُ من أَفضل (وربما أَصعب) ما يرغب النحَّاتون في استخدامه ليُعْمِلوا به أَزاميلَهم ويُطْلِعوا منه روائعهم. دقَّتُهُ أَنه إِذا انشَعَرَت مساحةً منه ولو ضئيلةٌ تحت ضربات الإِزميل، على النحات أَن يرمي الحجر كلَّه لأَنه لا يعود صالحًا للترميم. إِذًا، للنحات أَن يدرس كلَّ ضربة من إِزميله، كي يُنْجزَ عمله كاملًا خاليًا من أَي بصمة في الرخام غير مقصودة.
من هنا أَنَّ النحاتين، لإِبراز مهاراتهم وخصوصًا في تفاصيل المنحوتة، يسعَون إِلى العمل في حجارة رخامية متوسطة الحجم إِجمالًا، كي لا يأْسفوا على رمْيِها إِن أَتى إِزميلهم بضربة خاطئة. وغالبًا ما يختارون مواضيعَ وأَشكالًا تناسب خبرتهم فلا يخطئُون، خصوصًا حين يدقِّقون في نحت أَجزاء من الجسم البشري، أَو في نحت غلالات شفافة على الوجه أَو على أَجزاء معيَّنة من الجسد.
هذه الدقة تظهر واضحةً في تمثال "الخروج من الخطيئة" للنحات الإِيطالي فرنْشِسْكو كْوِيْرُولُّو (1704-1762).
فماذا عن النحات ورائعته النحتية الفريدة؟
صخرٌ رخاميٌّ ضخمٌ واحد
هذا التمثال شَهَر صاحبه لأَن فيه شبكةَ صيدٍ بحريٍّ ملتفَّةً متشابكةً، جاء ملاكٌ يساعد الصياد على التفلُّتِ للخروج منها (من هنا اسم المنحوتة "الخروج من الخطيئة"). مَن يراها يُذْهلُهُ نحْتُ الإِزميلِ تفاصيلَ الشبكة، وعُقَدَها الداخلية، وحبالَها الدقيقةَ الْكَأَنها مجدولةٌ مسْبَقًا ومركَّبةٌ على التمثال، وهو صخر واحد لا إِضافة إِليه من خارجه. وهنا عبقرية النحات.
عُقَدُ الحبال المذْهلةُ الدقَّة النحتية.
فرنْشِسْكو كْوِيْرُولُّو وُلِدَ في جَنَوى. وبعدما تمرَّس في النحت على كبار نحاتي عصره ومدينته، انتقل إِلى روما يعمل لدى عدد من المحترفات، وينحت تماثيلَ معظمُها بالحجم الطبيعي.
سنة 1752 استدعاه إِلى نابولي ريموندو دي سانغْرو، أَمير سانسيفيرو، كي يزيِّن بالتماثيل كنيسته العائلية ("كنيسة سانسيفيرو"). وهناك نحَتَ عددًا منها، بينها تمثال "العذراء مريم تحتضن ابنها يسوع". وفي الكنيسة ذاتها عمِلَ بين 1752 و1759 على نحت تمثال "الخروج من الخطيئة" (عُلُوّ 255 سنتم، عرض 120 سنتم، عمق 120 سنتم) وما زال حتى اليوم من عجائب المنحوتات في تاريخ النحت، كرَّس صاحبه أَحد أركان النحت في القرن الثامن عشر.
بُعدان: ديني ومجازي
التمثال يجسِّد مشهدًا هو في الوقت ذاته ديني ومجازي. فيه موضوعان: الملاك والصيَّاد، الملاك مرتكز إِلى كرة كبيرة، يحرِّر الصيَّاد من حبالِ شبكةٍ بحرية ملفلفة شديدة التعقيد.
المعنى الديني: نقلًا عما جاء في شرح متحف كنيسة سانسيفيرو، الشبكةُ تمثل الخطيئة، وإِذ يحرِّره الملاك من سلاسل الشبكة فهو يحرره من الخطيئة ومن أَعماله الخاطئة، ويُدخله إِلى عالَم الكتاب المقدس، وهو يبدو ظاهرًا في أَسفل التمثال. ولتأْكيد فكرة التحرير، نحَتَ كْوِيْرُولُّو صفحتَين مفتوحتَين من الكتاب المقدس، وفيهما باللاتينية: "سأَكسرُ أَغلالَك، أَغلالَ العتمة والليل الطويل، وأَنتَ عبْدُها، وأُحرِّرُكَ كي لا يُعدِمَكَ هذا العالَم".
النحات فرنْشِسْكو كْوِيْرُولُّو.
المعنى المجازي: إِلى المعنى الديني أَعلاه، في التمثال عددٌ من الرموز المجازية: الشعلة على جبين الملاك ترمز إِلى الفكر الإنساني، والكُرَة ترمز إِلى شهوات العالم الأَرضية. وهذه العناصر تتَّفق واحترام النحاتِ والدَه، وتجسِّد فكرة "الضعف البشري الذي لا يعرف الفضائل قبل التخلُّص من الرذائل". وعن شرح المتحف أَيضًا، يبدو التمثال كأَنه يمثل الروح الأَخوية التعاونية، الطامحة إِلى بلوغ نُور الحقيقة.
شبكة متعدِّدة بإِزميل واحد
إِذا شرح الرموز في التمثال خاضع للافتراضات والتنظير، فالتفاصيل الدقيقةُ المذْهلةُ فيه هي التي ما زالت تَلفتُ رائيه طوال قرون. فمن النظرة العاجلة الأُولى يظُنُّ الرائي أَنَّ فيه مجموعةَ حبالٍ ملتفَّةٍ مضافةً إِليه. عند التَمعُّن فيه أَكثر، تبدو حقيقةُ أَنها منحوتة جميعها في ثنايا هذا الحجر الصلد الواحد من الرخام.
استغرقَ كْوِيْرُولُّو سبعَ سنواتٍ في نحت هذه الشبكة الملتفَّة المعقَّدة التي لم يستخدم لها سوى إِزميله فقط، دون أَيِّ مُساعدٍ معه، ولا أَيٍّ من أَدوات المحترف. وعن دراسة المتحف أَيضًا أَنْ لم يجرؤْ أَحدٌ، حتى أَمهر النحاتين عصرئذٍ، على مساعدة كْوِيْرُولُّو خوف أَن ينكسر حبلٌ منها فيفسد كلُّ التمثال.
التمثال إِلى أَعلى اليمين في الكنيسة.
هذه الصعوبة الدقيقة حملَت إِلى النحات شهرةً مستحقةً ما زالت تدهش كبار أَهل النحت منذ 250 سنة في كل العالم. وعن المؤَرِّخ الإِيطالي الشهير جيانجيوزيبي أُورِيغْلِيا أَنَّ هذا التمثال "أَقصى وأَصعب ما يمكن أَيّ نحات أَن يُطْلِع من الرُخام". ومن 1759 إِلى القرن العشرين مع الروائية والناقدة الإِيطالية ماتيلدا سيرَّاوْ (1856-1927) بقولها عن التمثال في أُسلوب شاعري: "إِنه رمز الحياة وما فيها من حب وشغف".
كنيسة الصعوبات النحتية
هذا التمثال نفَّذه النحات بناءً على طلب خاص من الدوق ريموندو دي سانغرو، ليكون في كنيسة سانسيفيرو (نابولي). والكنيسة بناها جون فرنشسكو دي سانغرو في أَواخر القرن السادس عشر، وأَصبحت ضريحًا عائليًّا سنة 1613. ولتكريم موتى العائلة، راح أَهلُهم يُوصُون النحاتين على صنع تماثيل تزيِّن الكنيسة، منها تمثال "المسيح المقنَّع" لـجيوزيبي سانمارتينو (1753) و"الحقيقة المقنَّعة" لأَنطونيو كورَّاديني (1759). وتمثال "الخروج من الخطيئة" طلبَهُ ريموندو دي سانغرو تكريمًا والدَه أَنطونيو دي سانغرو دوق تورِّي مادجوري، فإِذا به يصبح أُعجوبة النحت الخالدة في عصره ولجميع العصور.







0 تعليق