المصدر 24 - لطالما ارتبط الكلب بالإنسان بعلاقة فريدة تجمع بين الوفاء، والتواصل العاطفي، والاستجابة الذكيّة للمؤشرات البشرية. غير أنّ الأبحاث الحديثة كشفت جانبًا جديدًا ومدهشًا من شخصية هذا الحيوان، إذ أظهرت أنّ بعض الكلاب تمتلك قدرات معرفية تعادل مستوى ذكاء طفل بشري في الرابعة من العمر. هذا الادعاء العلمي لم يعُد محض مبالغة أو وصفًا شاعريًا، بل حقيقة تستند إلى تجارب نفسية وسلوكية موثقة، وضعتها كلية علم النفس الحيواني والجامعات المتخصصة في السلوك الإدراكي للحيوانات.

ما المقصود بذكاء الكلب؟ وكيف يقارن بذكاء الأطفال؟

عندما يقال إن الكلب يمتلك ذكاء يعادل طفلًا بعمر 4 سنوات، لا يعني ذلك أنّه قادر على الحساب أو الكلام أو بناء الجمل المعقّدة، بل المقصود هو مستوى الفهم المعرفي والسلوكي في مجالات محددة، أهمها:

فهم الكلمات والأوامر القدرة على حل المشكلات البسيطة التمييز بين المشاعر البشرية استخدام التعلّم بالارتباط (Associative Learning) الاحتفاظ بالذاكرة قصيرة وطويلة المدى

وقد أظهرت الدراسات أنّ بعض السلالات، مثل البوردر كولي، والبودل، والراعي الألمانيّ، يمكنها فهم أكثر من 250 كلمة وإشارة، وهو رقم يقترب من متوسط مفردات طفل في الرابعة من عمره.

كيف درس العلماء ذكاء الكلاب؟

اعتمد العلماء على سلسلة من الاختبارات السلوكية المشابهة لتلك التي تُجرى للأطفال لتقييم قدراتهم المعرفية. وتضمنت هذه التجارب:

1. اختبارات الفهم اللغويّ

يتم تعليم الكلب مجموعة من الكلمات، مثل أسماء الألعاب، الاتجاهات (يمين، يسار)، الأوامر (اجلس، تعال، انتظر)، ثم يُطلب منه تنفيذها في ظروف مختلفة، بهدف التحقق إن كان يعتمد على الصوت فقط أو على السياق البصري.

2. حلّ المشكلات

تُعطى للكلب ألعاب ذكية تحتوي على مكافأة مخبأة داخل صندوق مغلق أو متاهة صغيرة، الدهشة كانت في أنّ بعض الكلاب لا تكتفي بالمحاولة العشوائية، بل تطوّر استراتيجية منظمة للوصول إلى الهدف، وهو سلوك معرفي يقترب من الأطفال في عمر 3–4 سنوات.

3. اختبارات الذاكرة

يُخبَّأ شيء يحبه الكلب في أحد الأماكن، ثم ينتقل إلى مكان آخر، وبعد مدة قد تمتد إلى ساعات، يعود الباحثون ويطلبون من الكلب إيجاد الشيء.
النتيجة: الكلاب تمتلك ذاكرة قوية ليس فقط للأشياء، بل أيضًا للأشخاص والطرق وحتى الروائح المرتبطة بالأحداث.

4. قراءة تعابير الوجه

أحد الاكتشافات اللافتة أنّ الكلاب يمكنها تمييز الابتسامة من العبوس، والكلام بنبرة الغضب من الكلام بنبرة السرور، وهي قدرات لا يمتلكها إلا الطفل في عمر 4 سنوات تقريبًا.

لماذا وصلت الكلاب إلى هذا المستوى من الذكاء؟

يعود ذلك لعدة عوامل تطوريّة وتاريخيّة:

1. عشرة آلاف سنة من التعايش مع الإنسان

منذ أن بدأ الإنسان يستأنس الكلب، تطورت بينهما علاقة قائمة على العمل المشترك والصيد والحماية، مما جعل الكلاب تتكيّف مع لغة البشر، ونبرة أصواتهم، وطريقة إشاراتهم.

2. التدريب الانتقائيّ لسلالات معيّنة

سلالات مثل الراعي الألماني واللابرادور تم اختيارها عبر أجيال لتكون أكثر ذكاءً ومرونة في أداء المهام.

3. قدرتها الفطرية على قراءة المشاعر

الكلاب حيوانات اجتماعية للغاية، تعيش في مجموعات، وهذا جعل لديها مهارات عالية في فهم التواصل البصري والصوتي، وهي مهارات تشبه تلك التي تظهر عند الأطفال.

مجالات يظهر فيها ذكاء الكلب 

1. التعرف على الكلمات والأسماء

هل تعلمين أن بعض الكلاب يمكنه تمييز اسم كل لعبته على حدة؟ كلب شهير يدعى تشيزر (Chaser)، من سلالة البوردر كولي، استطاع حفظ أكثر من 1000 كلمة، وهو رقم يتجاوز مفردات الكثير من الأطفال في سن 4 سنوات.

لم يتعلم تشيزر الكلمات فقط، بل أدرك معنى الأفعال والصفات، ونجح في تكوين روابط جملية بسيطة مثل: “أحضر الكرة الحمراء” مقابل “أحضر الكرة الزرقاء”.

2. فهم الإشارات البشرية

يمكن للكلب إدراك عدد كبير من الإشارات مثل:

الإشارة باليد النظرة أو اتجاه العين نبرة الصوت حركة الجسم

هذه القدرة لا يمتلكها معظم الحيوانات، حتى القريبة من الإنسان مثل الشمبانزي.

3. التعاطف مع البشر

الكلب قادر على التعرف على حالة صاحبه النفسية:

إذا كان حزينًا يقترب منه ويضع رأسه على قدمه إذا كان غاضبًا يبتعد قليلًا إذا كان خائفًا يحاول إشعاره بالأمان

هذا ما جعل الكلاب تُستخدم في العلاج النفسي العاطفي للأطفال وكبار السن.

4. حل المشكلات المعقدة

يمكن للكلاب:

فتح الأبواب بسيقانها أو أنوفها سحب المقابض تجاوز العوائق للوصول إلى الطعام تحديد أقصر طريق للوصول إلى شيء ما

كما تلجأ بعض السلالات إلى استخدام أدوات بسيطة، مثل دفع الكرسي للوصول إلى مكان مرتفع.

هل جميع الكلاب تمتلك نفس مستوى الذكاء؟

الجواب: لا.

ذكاء الكلاب يتفاوت بحسب:

السلالة العمر الصحة الجسدية التجارب السابقة التدريب المستمر

فالبوردر كولي، والبودل، والراعي الألماني تتصدر قائمة أذكى السلالات. أما سلالات أخرى، مثل البيجل أو الباغ، فهي ذكية بطريقتها الخاصة لكن ليس في مهام الطاعة والفهم اللغوي، بل في الشمّ والبحث والغريزة الاستكشافية.

ما الذي يستطيع الكلب فعله ولا يستطيع الطفل فعله؟

من المفاجآت العلمية أنّ الكلب يملك قدرات يتفوّق فيها على البشر، ومن بينها:

1. قوة الحواس

حاسة الشم تفوق الإنسان بـ 10 آلاف مرة حاسة السمع قادرة على التقاط ترددات لا يسمعها البشر رؤية الحركة أسرع، مما يساعده في الصيد والتتبع

هذه الحواس تجعل الكلب قادرًا على مهام لا يمكن حتى للطفل القيام بها.

2. القدرة على تعقب الروائح

قادرة على تحديد روائح المخدرات، والمتفجرات، وحتى بعض الأورام السرطانية، وهو أمر يعجز عنه البشر في أي مرحلة عمرية.

3. تقدير الزمن

تُظهر الدراسات أن الكلب يستطيع إدراك الفارق بين الأوقات، ويعرف متى يحين وقت الطعام أو عودة صاحبه، ما يشير إلى امتلاكه ساعة بيولوجية متقدمة.

كيف يمكن تنمية ذكاء الكلب؟

تمامًا كما يحتاج الطفل إلى تحفيز ليطور مهاراته، يحتاج الكلب كذلك إلى:

1. التعليم المبكر

فترة الأشهر الأولى هي أهم مرحلة لتشكيل السلوك والقدرات.

2. التواصل المستمر

التحدث مع الكلب، تعليمه الكلمات، مكافأته، كلها تزيد من ترابط دماغه العصبي.

3. الألعاب الذكية

مثل إخفاء المكافآت داخل صناديق أو ألعاب تحتاج إلى تحريك أجزاء.

4. التمارين البدنية

الرياضة المنتظمة تحفز الدماغ مثلما تحفز الجسم.

5. الاجتماع مع كلاب أخرى

التفاعل الاجتماعي يعزز قدراته الإدراكية والعاطفية.

لماذا ينجذب الإنسان إلى ذكاء الكلاب؟

هناك أسباب نفسية واجتماعية تفسّر هذا الارتباط العميق، أهمها:

التواصل البصري المشابه للبشر العاطفة غير المشروطة قدرتها على فهم النبرة الإنسانية التعاطف مع مشاعر أصحابها إحساس البشر بأن الكلب “يشبههم” في السلوك

هذه العناصر تجعل العلاقة بين الإنسان والكلب علاقة أشبه بتربية طفل ذكي ومحب.