نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
البيئة الاستثمارية… بين صوت الواقع وطموح الإصلاح - المصدر 24, اليوم الاثنين 17 نوفمبر 2025 10:25 صباحاً
يشكّل الاستثمار حجر الأساس في أي مشروع وطني يسعى للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وتعزيز الاستقرار. فالمستثمر—محليًا كان أم خارجيًا—لا يبحث عن التسهيلات فحسب، بل عن منظومة متكاملة توفر وضوحًا في الإجراءات، وعدالة في التشريعات، واستقرارًا في القرارات. ومن هنا كان من الطبيعي أن تحظى تصريحات رجل الأعمال زياد المناصير باهتمام واسع، ليس فقط لوزن الرجل الاقتصادي، بل لأنه عبّر بصراحة عن واقع يلمسه عدد غير قليل من الفاعلين في السوق.
لقد اعتاد الأردنيون على قراءة قصص النجاح الخارجية للمناصير، وكيف استطاع أن يشق طريقه في أسواق لا تخلُ من المنافسة الشرسة، ولا من التعقيدات التي تواجه أي مستثمر يبحث عن موطئ قدم. ورغم ذلك، نجح الرجل في بناء شبكة أعمال واسعة، ما يجعل تجربته ذات دلالة خاصة حين يتحدث عن مناخ الاستثمار المحلي. فحين يصرّح مستثمر مرّ بتجارب دولية معقدة بأن بعض التحديات التي يواجهها في وطنه تفوق ما شهدَه خارجًا، فإن هذا يطرح سؤالًا جادًا: هل نحن أمام مشكلات فردية أم منظومة تحتاج إلى مراجعة شاملة؟
إن ما قاله المناصير لا يمكن عزله عن نقاش عام يتكرر في المجتمع منذ سنوات؛ نقاش يتعلق بتعقيدات الإجراءات، وتداخل الصلاحيات، وعدم وضوح المسارات التنظيمية التي يمر بها المستثمر عند محاولة إنشاء مشروع أو توسعته. وقد أثبتت التجارب أن أصغر عقبة إدارية يمكن أن تتحول، مع الوقت، إلى حاجز كبير يعيق فرص الاستثمار ويبدد الحافز لدى أصحاب المشاريع. ولعل هذا ما يجعل من تصريحات المناصير فرصة مهمة لفتح حوار وطني هادئ وجاد حول مستقبل الاستثمار في الأردن.
ومن الضروري أن نؤكد هنا أن الإشارة إلى هذه المشكلات لا تعني بأي شكل من الأشكال توجيه اللوم لجهة بعينها، بل هي دعوة لرؤية الصورة كاملة. فالأردن، بما يمتلكه من استقرار سياسي، وموقع جغرافي استراتيجي، ونظام مصرفي وأمني مستقر، وكفاءات بشرية عالية، قادر على أن يكون بيئة استثمارية جاذبة لا طاردة. إلا أن هذه المزايا تحتاج إلى منظومة أكثر انسجامًا، وأكثر وضوحًا، وأقل تعقيدًا.
فالتحديات التي تواجه المستثمرين اليوم ليست كلها ناتجة عن قصور تشريعي، بل قد تعود في كثير من الأحيان إلى التطبيق، وإلى غياب التنسيق بين الجهات، وإلى وجود فجوة بين النص القانوني والممارسة العملية. إن الخطورة تكمن في أن هذه التحديات—حتى وإن كانت صغيرة وغير مقصودة—يمكن أن تتراكم لتنتج بيئة يشعر فيها المستثمر بأن الطريق غير ممهد، وأن المخاطر غير محسوبة، وأن القرارات قد تتغير دون إنذار كافٍ.
ومن المؤسف أن خسارة أي مشروع استثماري لا تعني خسارة صاحب المال وحده، بل خسارة وطنية تشمل فرص العمل التي كان سيخلقها، والقيمة المضافة التي كان سيقدمها للاقتصاد، والعائدات التي كانت ستدخل إلى الخزينة. فالاستثمار الجاد ينتج مصانع، وشركات، وتقنيات جديدة، ويُدخل خبرات عالمية، ويمنح الشباب فرصًا حقيقية بدل انتظار الوظيفة التقليدية التي لم تعد قادرة على استيعاب حجم الداخلين إلى سوق العمل.
إن ما نحتاجه اليوم ليس فتح سجالات أو تبادل اتهامات، بل الوقوف على حقيقة أن البيئة الاستثمارية—رغم ما تحقق فيها من تطور—ما زالت بحاجة إلى إصلاحات تضمن:
تبسيط الإجراءات وتوحيد مرجعياتها.
تعزيز الشفافية في اتخاذ القرار.
الحد من البيروقراطية التي تؤخر إنجاز المشاريع.
ضمان استقرار التشريعات ومنع التغييرات المفاجئة.
إنشاء آليات فاعلة لحل النزاعات وضمان حقوق المستثمرين.
إن الأردن بلد قادر على النهوض، وقد أثبتت التجارب أن الإصلاح ممكن حين تتوفر الإرادة. ونقاش البيئة الاستثمارية ليس نقاشًا ضد أحد، بل نقاش لصالح الوطن. فالمستثمر ليس طرفًا خارجيًا، بل شريكًا رئيسيًا في التنمية، وما يقوله يجب أن يُقرأ كرسالة إنذار مبكر، لا كصدام ولا كاشتباك سياسي أو اقتصادي.
ختامًا، إن قوة أي اقتصاد لا تُقاس بقدرته على جذب الاستثمار فحسب، بل بقدرته على الاحتفاظ به. وما يطرحه زياد المناصير اليوم يجب أن يُعامل كفرصة لا كأزمة؛ فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي، وصياغة بيئة أعمال أكثر كفاءة، تليق بطموح دولة تسعى للنمو والاستقرار، وتستحق أن تكون مركزًا إقليميًا للاستثمار النوعي.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : البيئة الاستثمارية… بين صوت الواقع وطموح الإصلاح - المصدر 24, اليوم الاثنين 17 نوفمبر 2025 10:25 صباحاً










0 تعليق