نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
طقوس دفن تثير الدهشة في إندونيسيا: احتفالات لا تُشبه أي مكان آخر - المصدر 24, اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025 05:35 مساءً
المصدر 24 - في إندونيسيا، لا تعني وفاة شخص نهاية العلاقة بينه وبين أسرته، بل هي بداية فصلٍ طقوسيٍّ عميق يُجسّد ارتباطًا روحيًا وثقافيًا مع الأموات. تمتاز بعض المجموعات العرقية الإندونيسية بعادات دفن فريدة تعكس نظرتهم الخاصة للموت والحياة بعده، وتختلف كثيرًا عن الطقوس الغربية التقليدية. في هذا المقال، نستعرض أكثر الطقوس الدفنية إثارة للدهشة، خصوصًا لدى شعب توراجا (Toraja) في جزيرة سولاوسي وبعض طقوس قبائل أخرى، مع تحليل تاريخي وثقافي يساهم في فهم مبررات هذا السلوك الصادم للعين الغربية.
طقوس دفن غريبة في إندونيسيا
قبيلة توراجا في جنوب جزيرة سولاوسي تُعدّ من أشهر الجماعات العرقية في إندونيسيا بفضل طقوسها الجنائزية المتطورة والمعقدة. يعتقد التوراجا أن الموت ليس نهاية فورية، بل هو انتقال تدريجي، ومن ثم يظلون يهتمون بجثث موتاهم حتى سنوات بعد الوفاة.
الاحتفاظ بالجثة بعد الوفاة
عند وفاة أحد أفراد الأسرة، لا تُدفن الجثة فورًا غالبًا، بل يحتفظون بها في المنزل لأسابيع أو أشهر، وأحيانًا لسنوات، ويُعامل الميت كأنه مريض أو نائم بين الأحياء. يعيش الميت مع الأسرة في غرفة خاصة، ويُقدّم له الطعام والشراب، ويتحدثون إليه كما لو كان حيًّا.
تحنيط الجثة والعناية بها
لتجنّب تعفّن الجثة، كان التوراجا سابقًا يستخدمون وسائط طبيعية مثل الخل وأوراق الشاي لتحنيط الجثة، أما الآن فالبعض يستخدم حقن الفورمالدهيد للحفاظ عليها، يفحصون التابوت والعظام بشكل دوري، ويحرصون على تغيير الأكفان والنعوش كلما تهالكت.
المهرجان السنوي “مانيني” تنظيف الجثث
من أكثر الطقوس التي تثير الدهشة والجدل هو ما يُعرف بمهرجان ما’نيني (Ma’nene). يحدث هذا الاحتفال كل بضعة سنوات (يُقال غالبًا كل 3 أعوام) بعد الحصاد، حين تعيد العائلات إخراج جثث موتاها من القبور لتنظيفها وتزيينها، في هذا التقليد، تُرفع الجثث من مقابرهم، وتنظف بعناية من الأوساخ، وثم تُلبس ملابس جديدة، بعض الأسر تزود الجثث بأشياء مثل السجائر، بحسب بعض التوثيقات الصحفية، بعد ذلك، قد يُحمل الميت حول القرية أو يُجلب إلى المنزل، وتُجري العائلة صلوات ومراسم تكريمية ويعتقد التوراجا أن هذا التواصل الجسدي مع الموتى يُعبّر عن الاحترام العميق، ويُجدد الرابط بين الأحياء والراحَلين.
التماثيل “تاو تاو” (Tau-Tau)
جزء آخر مهم من تقاليد دفن التوراجا هو تماثيل تاو تاو (Tau Tau) الخشبية أو الخيزرانية التي تُصنَع كتمثيل للميت توضع هذه التماثيل بالقرب من المقابر أو على المنحدرات الصخرية لتُحرس قبور الموتى، وتُعبّر عن اعتقاد التوراجا بأن الروح “ما زالت موجودة” وترتبط بشكل ما بجسدها.
التماثيل تعكس السمات الشخصية للمتوفى وتكون في بعض الأحيان مفصلة للشبه، ما يمنح المكان طابعًا روحيًا وتجسيدًا حيًّا للموتى.
الدفن في الكهوف والمقابر المعلقة
بعد انتهاء مراسم “مانيني” وتكريم الموتى، تُعاد الجثث إلى مقابر خاصة محفورة في الصخور أو جبانات طبيعية في الجبال يُعد هذا الدفن رمزًا للمكانة الاجتماعية للشخص المتوفى، أحد الأساليب المستخدمة هو التوابيت المعلقة (Hanging coffins) المعروفة محليًا بـ liang tokek.
توضع التوابيت على حواف المنحدرات أو داخل فتحات الكهوف الصخرية لمنع السرقة أو التعدي، بالإضافة إلى الحفاظ على ارتباط الميت بالأرض والسماء في آنٍ واحد.
طقوس قبائل أخرى: “تيواه” و “ساندونغ”
ليست طقوس التوراجا وحدها المدهشة في إندونيسيا. قبائل Dayak من كالمنتان (Borneo) خاصةً تمارس مراسم دفن تُعرف باسم تيواه (Tiwah) حيث تُعاد عظام الموتى إلى “ساندونغ” ( ossuary أو مغارة عظام).
في مراسم Tiwah، تُنقى العظام بعناية، ثم تُوضَع في بناء خشبي يُسمّى sandung يشبه المنزل الصغير، مع سقف مزخرف ونوافذ. يعتقد أصحاب الطقوس أن هذا البناء سيمثّل بيت المتوفى في العالم الآخر.
الأبعاد الروحية والثقافية
رؤية الموت كعملية مستمرة: في ثقافة التوراجا، لا ينظر للموت كفاصل نهائي، بل كجزء من دورة حياة، لذا يبقى المتوفى “مريضًا” ويُعَتَنَى به.
صلة الأجيال: إعادة تنظيف الجثث وارتدائها يمنح الأحياء فرصة لتجديد الصلة مع أسلافهم، ويعبّر عن الاحترام العميق للموتى.
الرمزية والانتماء: وضع التوابيت في التكوينات الصخرية أو الكهوف المنحدرة يُعكس فكرة التوازن بين الأرض والبقاء الروحي، كما تُمثّل تماثيل التاو تاو استمرارية الشخصية بعد الموت.
بعض النقاد يرون أن هذه الطقوس “مخيفة” أو “غريبة” من منظور غربي، لكن من وجهة نظر التوراجا هي تعبير حقيقي عن الحب والاحترام.
في الأوقات الحديثة، يُستخدم الفورمالدهيد للحفاظ على الجثث، ما يثير تساؤلات بيئية وصحية عن التأثيرات على المدى الطويل.
بالإضافة إلى ذلك، ازداد الاهتمام السياحي بهذه الطقوس، ما قد يؤدي إلى استغلالها تجاريًّا مقابل احترامها الحقيقي كتراث ثقافي.
لماذا تجذب هذه الطقوس اهتمام العالم؟
فريدة من نوعها: قلة من الثقافات حول العالم تتعامل مع الموت بهذا الأسلوب الحميمي والاحتفالي. تراث إنساني قوي: الطقوس تعكس تقديرًا للقبور، للذكرى، وللأجداد بطريقة تتجاوز المفهوم الغربي البسيط للدفن. مقصد سياحي وتعليمي: كثير من الزوار الدوليين يأتون لتوثيق هذه التقاليد والتعلم منها، مما يعزز الوعي بالقيمة الثقافية للموتى. دُّرُوس في العلاقات الأسرية: تشدّد هذه الممارسات على أن الروابط بين الأحياء والأموات لا تنقطع بمجرد الوفاة، بل تستمر عبر الأجيال.طقوس دفن التوراجا وأشباهها في إندونيسيا تثير الدهشة، ليس لأنها غريبة فحسب، ولكن لأنها تعكس فلسفة عميقة عن الحياة والموت. الاحتفال بالموتى عبر تنظيفهم، إعادة ملابسهم، وخلق تماثيل تمثّلهم، وكل ذلك يعبر عن حبّ لا ينتهي، ورغبة في التماسك الأسري والروحي بعد الرحيل الجسدي.
هذه الطقوس تُظهر أن الموت بالنسبة لهم ليس نهاية، بل جزء من مسيرة، وأن الأموات لا يغادرونهم حقًّا، بل يظلون أفرادًا في الأسرة الممتدة إلى الأبد. وليست مجرد عادات تراثية، بل رسالة إنسانية عميقة تدعونا لإعادة التفكير في مفهوم الوفاة، وكيف يمكن للحياة أن تستمر بعد الجسد.





0 تعليق