الراعي: نهوض لبنان لا يبدأ من الخطابات بل من التجدد الداخليّ - المصدر 24

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الراعي: نهوض لبنان لا يبدأ من الخطابات بل من التجدد الداخليّ - المصدر 24, اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025 12:35 مساءً

المصدر 24 - ألقى البطريرك الماروني ماربشارة بطرس الراعي عظة قداس الأحد في بكركي، بعنوان:" "لا تخف يا زكريّا، فقد استُجيبت صلاتك" (لو 13:1)، قال فيها: "البشارة لزكريا بمولد يوحنا هي بداية زمن الميلاد أو المجيء. معه تنتهي مرحلة العهد القديم، وتبدأ مرحلة العهد الجديد. ولهذا يُسمّى يوحنا المعمدان آخر نبي، وأول رسول. وهو بمثابة الفجر الذي يسبق طلوع الشمس يسوع المسيح. إنه المثال لكل مسيحي ومسيحية، في دعوتهما للشهادة للمسيح، والعمل على إعداد العقول والقلوب لاستقباله بقبول كلمته في الإنجيل، وجسده ودمه في سرّ القربان. إن البشارة بمولد يوحنا هي من جهة ثمرة صلاة زكريا الكاهن: «لا تخف يا زكريا، فقد استُجيبت صلاتك» (لوقا 1: 13)، ومن جهة ثانية "سلوك زكريا وإليصابات في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم" (لوقا 1: 6)".

 

أضاف: "يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا للاحتفال معًا بهذه الليتورجيا الإلهية، مع ترحيب خاص بحركة "الشبيبة العاملة المسيحية". إنها حركة عمالية، رسولية، روحية واجتماعية، يقوم بها الشبان والشابات العاملات أنفسهم وفيما بينهم لخير الفئة العاملة، ولبناء مجتمع أفضل. فالشبيبة العاملة المسيحية هي مدرسة كتابها الحياة، دستورها الإنجيل، ونظامها تعاليم الكنيسة. وهي مدرسة يجد فيها العامل ما فاته من ثقافة وتوجيه اجتماعي وروحي. للشبيبة العاملة المسيحية طريقة خاصة في التعليم والتوجيه تتلخص بكلمات ثلاث هي: انظر، احكم، اعمل".

وتابع الراعي عظته قائلاً: "انطلقت هذه الحركة من بلجيكا سنة 1925 على يد الأب جوزيف كارداين الذي أصبح فيما بعد كاردينالاً وتوسّع انتشارها إلى 80 بلداً. تأسست في لبنان سنة 1937 على يد الأب اليسوعي Dupres Latour. ودخلت مدينة زحلة سنة 1952 على يد المثلّث الرحمة المطران جورج اسكندر عندما كان موظفاً في مصلحة البريد، وأصبح فيما بعد مرشداً وطنياً للحركة. لم ينسَ الله أن زكريا وزوجته إليصابات كانا بارّين وسالكين بلا لوم أمام الله والناس، فكانت البشارة بأن إليصابات ستلد ابناً يكون "عظيماً أمام الرب، ويُمهّد الطريق لمخلّص العالم وفادي الإنسان"، مؤكداً أنّ "هذه البشارة هي أكثر من وعد بولادة طفل. إنها إعلانٌ لولادة زمنٍ جديد، بداية العهد الإلهي الحيّ، والتمهيد لظهور يسوع المسيح. فهي الحدّ الفاصل بين العهد القديم الذي طال انتظاره، والعهد الجديد الذي يبدأ بكلمة الملاك. إنها بشارة تُعيد إلى الإنسان الرجاء بعد طول انتظار، وتقول لنا جميعًا: إنّ الله لا يتأخّر، بل يأتي في الوقت المملوء نعمة. إنّ هذا النصّ يحمل في طيّاته معنى روحيًّا عميقًا: فالله الذي بدا صامتًا عبر أجيال طويلة، يبدأ بالكلام من جديد. والكلمة تأتي إلى زكريا الشيخ، إلى من حسب نفسه خارج الزمن، لتقول له: "إنّ الله لا يتأخّر، بل يعمل في صمته".

أضاف: "في قلب هذا النصّ تظهر لغة مميّزة هي لغة الإصغاء. زكريا لا يجيب الملاك بالكثير من الكلام، بل يعيش لحظة دهشة وصمت داخليّ عميق. إنّ بكمه لم يكن عقوبة، بل نعمة تربّيه على التأمل والإيمان. فالله لا يحتاج إلى كثرة الكلمات بقدر ما يحتاج إلى قلبٍ يصغي. السكينة الصامتة التي عاشها زكريا في تلك الفترة كانت مساحة لقاءٍ بين الإنسان وربّه، مدرسة إيمانٍ داخليٍّ تعلّم أن ما يعجز الإنسان عن قوله، يستطيع الله أن يعبّر عنه بأفعاله. وتعلّم أن الكلمة التي تولد بعد الصمت تكون أنقى وأقوى وأقرب إلى الحقيقة. ولنا في القدّيسين والنسّاك مثال ساطع: فكم من قدّيسٍ صمت أمام الله، فصار كلامه نورًا للأجيال. القديس شربل الذي عاش في عزلته، لم ينقطع عن العالم، بل صار صوت الله فيه، لأنّ من يتعلّم الإصغاء بعمق، يعرف كيف ينطق بالحقّ عندما يحين الوقت.كم نحن بحاجة إلى لحظة إصغاءٍ وصدقٍ، إلى زمن نهدأ فيه لنعرف ماذا يريد الله منّا".

 

وأكد الراعي أنّه "نحن بحاجة إلى وقفة مسؤولة، هادئة، نسمع فيها كلمة الله تدعونا إلى بناء وطنٍ على أسس الحقّ والعدالة والمحبّة. إنّ نهوض لبنان لا يبدأ من الخطابات، بل من القلب، من التجدد الداخليّ، من إيمانٍ بأنّ الله لا يزال حاضرًا في تاريخنا. سيزور هيكل وطننا، إذا وجد قلوبًا مستعدّة، مؤمنة، مصلّية. الله يدعونا اليوم، من خلال هذا الإنجيل، إلى الإصغاء، الى الصمت، إلى أن نسمع ما يقوله الروح للأوطان، لا للنفوس فقط. لبنان يحتاج إلى مسؤولين يعرفون متى يصغون، ومتى يتكلّمون، لأنّ الكلمة الصادقة تنبع من قلبٍ عاش التجربة وتطهّر بالألم".

 

أضاف: "دعا الله زكريا ليهيّئ الطريق أمام المخلّص، هو يدعونا أيضًا لنكون تهيئة لوطنٍ جديد، لوطنٍ يسير في طريق العدالة والرجاء. علينا أن نؤمن أنّ الله، رغم الصمت الظاهر، لا يزال يكتب قصته معنا. فمن رحم الانتظار تولد النهضة، ومن ظلمة الليل ينبثق فجر جديد. إنّ إنجيل بشارة زكريا لا يحدّثنا فقط عن ميلاد يوحنا، بل عن ميلاد الرجاء في زمنٍ يظنّ فيه الناس أن الله صمت. نحن أيضًا، كلبنانيين، نشعر في كثير من الأحيان بأنّ التاريخ توقّف، وأنّ الأمل تأخّر. كزكريا، نخدم بإخلاص، نصلي، وننتظر، لكنّ الوعد يبدو بعيدًا. لكن الله يأتي وهو سيد التاريخ، ومع ذلك، يأتي صوت الله من جديد ليقول لنا كما قال لزكريا: "لا تخف، إنّ صلاتك قد سُمعت".


وختم الراعي بالقول: "لبنان، الذي تعب من الانقسامات ومن التجارب، يحتاج اليوم إلى روح البشارة هذه، إلى الإيمان بأنّ الله لا يزال يعمل في الخفاء ليهيّئ ولادة جديدة لوطنٍ جديد. وحدها الكلمة التي تخرج من قلبٍ مؤمنٍ ومن روحٍ مصغٍ، قادرة على أن تبني الوطن وتجدّد الحياة فيه. بشارة زكريّا هي بشارة لنا اليوم تقول أنّ الله لا ينسى، وأنّ الإيمان لا يخيّب. فنرفع صلاة الشكر والتسبيح لله الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".

 
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق