نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ياسر حمدي يكتب: دولة التلاوة.. «مصر» حين عاد صوتها - المصدر 24, اليوم السبت 15 نوفمبر 2025 11:40 مساءً
المصدر 24 - شهدت مصر انطلاقة فريدة ومميزة لمسابقة «دولة التلاوة»، التي أطلّت علينا بحلقتها الأولى مساء أمس، لتعيد إلى الأذهان مكانة القاهرة الرائدة في فن التلاوة، ودورها التاريخي في نشر هذا الفن وتعليمه لكل دول العالم، لدوره الروحي والثقافي في حياة المسلمين.
جاء انطلاق البرنامج من أرض الأزهر الشريف، أرض العلماء والقراء، حيث فتحت لجانه أبوابها لأكثر من أربعة عشر ألف متسابق من مختلف محافظات الجمهورية، في أجواءٍ روحانيةٍ تأسرُ القلوب قبل الآذان، وتعيد الذاكرة إلى عصور قياصرة التلاوة في العالم وسفراء السماء أمثال: محمود خليل الحصري ومحمد صديق المنشاوي وعبد الباسط عبد الصمد ومصطفى إسماعيل والطبلاوي.
دولة التلاوة، ليس مجرد برنامج تلفزيوني عابر، بل تجربة متكاملة تُمجد الأصوات القرآنية وتكرمها، وتفتح نافذة جديدة لإظهار المواهب الصاعدة من شتى انحاء الجمهورية، وتجربة تلفزيونية تسعى لإحياء فنون الأداء القرآني وإعادة الروح إلى مدرسة التلاوة المصرية الأصيلة، بعد أن ظل هذا الفن الخالد محصورًا في الأوساط الدينية والجامعات القرآنية لفترة طويلة.
وما إن انطلقت أولى حلقات برنامج «دولة التلاوة» حتى وجدنا أنفسنا نجلس أمام التلفاز بشغفٍ يشبه اللقاء الأول مع شيءٍ افتقدناه طويلًا، لحظة واحدة فقط كانت كافية لنشعر بأننا أمام حدثٍ مختلف؛ حدثٍ يُعيد إلينا ما ظننّا أنه ابتعد، ومنذ الوهلة الأولى، بدا واضحًا أن مصر تعود إلى دورها الطبيعي كموطنٍ للتلاوة، وبلدٍ صاغ العالمُ ذائقته القرآنية على أصوات قرّائها.
نجاح الحلقة الأولى للبرنامج كان ملموسًا، حيث تصدرت قائمة الترند على منصة «إكس» فور عرضها، وانتشرت نقاشات واسعة على الفيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى، هذا التفاعل الكبير يعكس شغف الجمهور بمتابعة فن التلاوة وإعادة الاعتزاز به، كما أنه يوضح أن هناك حاجة حقيقية لبرامج ترسخ القيم الدينية والثقافية بشكل مبتكر وعصري، بعيدًا عن الجمود التقليدي أو الشكلية البحتة.
فالأداء، والتنظيم، والروح، والاحتفاء بالقرآن؛ كلها عناصر تشي بأن الدولة قررت أن تردّ لهذا الفن الجميل مكانته، وأن تفتح الطريق لجيل جديد ينهض بمدرسة عريقة كانت ولا تزال الرائدة، ومفخرة الأمة، فقد كان الاستمتاع عظيمًا، كأنما تُبثّ في القلوب حياة جديدة؛ شعرنا أن ما غاب يعود، وأن الأصوات التي كانت تبحث عن فرصة، قد وجدت أخيرًا من يسمعها ويرعاها ويهذبها، وأن المشروع العظيم أكبر من مجرد برنامج تليفزيوني.
إنه عودة هوية، و بعث مدرسة، و إحياء «صوت مصر» الذي يعرفه كل عربي وكل مسلم في جميع انحاء العالم، ولأن النهضات لا تُصنع مصادفة، فإن ما قدّمته وزارة الأوقاف المصرية والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية يستحق كل التقدير، فقد استطاعتا أن تعيدا روحًا كادت تخفت، وأن تنهضا بمدرسة التلاوة الأصيلة والفريدة في الوطن العربي بعدما تراجع حضورها، في مشروع راقٍ يجمع بين الوعي والإخلاص وحسن الصناعة.
لقد قدّمت المؤسستان نموذجًا محترمًا في العمل المتقن الذي يعيد تشكيل الذائقة القرآنية في مصر، ويحيي جزءًا من ميراثها الصوتي والروحي؛ ولم يكن «دولة التلاوة» إنتاجًا إعلاميًا فقط، بل خطوة إصلاحية تعيد للقرآن الكريم مكانته في الوجدان، وللشباب القدوة والطريق الصحيح، وهكذا عاد للأمة شيء من هيبتها القرآنية، وعاد لمصر صوتها الذي إذا رتّل وقرأ، أصغت له القلوب.
المثير للإعجاب هو أن «دولة التلاوة» لا يكتفي بعرض المتسابقين فحسب، بل يمنحهم منصة لتطوير قدراتهم من خلال لجنة تحكيم متميزة تضم نخبة من أبرز العلماء والخبراء في مجال الأصوات والقراءات، مثل: الشيخ حسن عبد النبي وطارق عبد الوهاب، بالإضافة إلى شخصيات بارزة على صعيد العالم الإسلامي مثل: الدكتور أسامة الأزهري ومصطفى حسني، هذه الموازنة بين الخبرة الدينية والفنية تجعل البرنامج متميزًا عن أي مبادرة مشابهة، حيث يدمج بين التوجيه العلمي والتقييم المهني.
كما يعكس البرنامج اهتمام الدولة المصرية والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بترسيخ الإرث القرآني وإبراز الأصوات الجديدة التي يمكن أن تكون قدوة للمجتمع الإسلامي، والجوائز المقدمة، بما فيها تسجيل المصحف الشريف بصوت الفائزين وإمامة المصلين في صلاة التراويح بمسجد الإمام الحسين، تعطي البرنامج بعدًا روحانيًا وعمليًا يربط بين الأداء الفني والرسالة الدينية الأصيلة.
إن «دولة التلاوة» ليس مجرد برنامج، بل مشروع وطني يعيد لمصر مكانتها كمنارة للقرآن ومهدٍ لفنونه، ومن حق المصريين أن يفخروا بهذا العمل الذي يعيد إلى الصوت المصري مجده، وإلى التلاوة هيبتها، وإلى القلوب طمأنينتها.. شكرًا لوزارة الأوقاف، والشركة المتحدة، «دولة التلاوة»، جهدٌ يليق بمصر، ويليق بالقرآن، ويليق بالأمة، إنه بداية طريق، طريقٍ تعود فيه دولة التلاوة إلى مكانها الذي يليق بها.. حفظ الله مصر أرضًا وشعبًا وجيشًا وقيادة.











0 تعليق