العقل البشري تحت الضغط: كيف يولد الإبداع من الخطر؟ - المصدر 24

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العقل البشري تحت الضغط: كيف يولد الإبداع من الخطر؟ - المصدر 24, اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 06:55 مساءً

المصدر 24 - في كلّ يومٍ نواجه في حياتنا مواقفَ اضطرارٍ وتحدٍّ، قد تكون مهنية، أو إنسانية، أو حتى وجودية. عند هذه النقطة يتكشف أمامنا سؤالٌ غريبٌ: هل يمكن للذّهن، في لحظة الخطر والضغط، أن يتحوّل من مُتردّد إلى مبتكر؟ وما هي الآليات التي يُشغلها تحت الضغط؟ بالإضاءة على أحدث الدراسات في مجال الذكاء الاصطناعي في المختبرات العصبية، والتفاعل بين الشبكات الدماغية، يمكننا أن نرسم صورةً متماسكةً لهذه الظاهرة.

كيف يعمل العقل البشري تحت الضغط؟

الإبداع ليس مجرد فكرة جديدة، بل هو فكرة جديدة وذات قيمة. والدراسات العصبية تؤكد أن الإبداع لا يرتبط بمنطقة دماغية واحدة، بل بنظام تفاعل بين شبكات رئيسية مثل:

شبكة الوضع الافتراضي (Default Network‑DN) وهي معنيّة بالتخيّل والتوليد الداخلي للأفكار.  شبكة السيطرة التنفيذيّة (Executive Control Network‑ECN) التي تُدير اختيار الأفكار وتنظيمها.  شبكة الأهمية أو التفعيل (Salience Network‑SN) التي ترقّب ما يستحق الانتباه وتُحوّل الموارد نحو ما هو ملِحّ. 

وبالتالي، حين نضع الذهن تحت الضغط، فإن هذه الشبكات تتفاعل بطريقة تختلف عن الوضع المعتاد، الأمر الذي قد يفتح المجال أمام ولادة أفكار مبتكرة.

كيف يؤثّر الخطر أو الضغط النفسي في الدماغ؟

 الاستجابة العصبية والهرمونية

عند مواجهتنا موقفًا يُهدّد الأمن أو الراحة، تُنشّط ظهارة الغدد فوق الكلوية وتُفرز هرمونات مثل الكورتيزول والكاثيكولامينات. هذا التغير يُعدّ تمهيدًا لتحويل الذهن من وضع الاسترخاء إلى وضع اليقظة. 

إعادة توجيه الموارد الدماغية

في فترة الضغط الحاد، تزداد فعالية شبكة الأهمية SN والارتباط بينها وبين القشور الحسيّة، بينما تتراجع فعالية ECN، أي قدرة الذهن على التنظيم التنفيذي تغدو محدودةً. وهذه الحالة تُفسّر لماذا في بعض الأحيان يفقد المرء قدرته على التفكير الإبداعي حين يكون تحت ضغطٍ شديد.

تأثير الضغط المزمن مقابل الحاد

دراسات حديثة تشير إلى أن الضغط الحادِّ قد يؤثّر بشكل مختلف عن الضغط المزمن. الضغط المزمن، كما عند من عانوا تجارب طفولة صعبة، يمكن أن يُضعف البُنى الدماغيّة مثل قشرة الفص الجبهيّ والحُصين، ما يؤثّر لاحقًا على الإبداع. 

متى يكون الضغط محفّزًا للإبداع؟ ومتى يكون مدمِّرًا؟

تحليل تلوي لـ76 دراسة وجد أن الضغط الذي يشعر الفاعل أنه قابل للتحكّم قد يحفّز الإبداع، بينما الضغط الذي يشعر فيه بأن الفرد عاجز عن التأثير عليه يُضعف الأداء الإبداعي. 
دراسة عام 2024 أوضحت أن الضغط الحادّ غالبًا ما يؤدّي إلى تدنٍّ في الأداء الإبداعي، بوساطة تغيّرات في التفكير والتنظيم المعرفي. 

منحنى «U‑مقلوب» للاهتمام الإبداعيّ

بحسب مراجعة بحثية، يبدو أن العلاقة بين الضغط والإبداع ليست خطّية: مستوى معتدل من التوتّر قد يكون محفّزًا للإبداع، لكن ما يتجاوز حَدًّا معيّنًا (ضغط شديد أو طويل الأمد) يُنْقِل الدماغ إلى حالة استجابة بقاء «الكرّ أو الفرّ» بدلًا من التفكير الابتكاري. 

المؤشّرات التي تُحدّد التحفيز أو الإعاقة

إدراك الفرد لقدرته على التصرّف في الموقف.  نوع الضغط: اجتماعي، مهني، أو وجودي.  الحافز الزمني أو نطاق الزمن: الضغط المؤقت يختلف عن الضغط المزمن. 

من الخطر إلى الإبداع: كيف يُسيّر العقل هذا المسار؟

تنشيط طرق التفكير غير التقليدية

في الظروف الحرجة يُضطر الذهن إلى التفكير غير الروتيني، وربّما إلى دمج عناصر تبدو غير مترابطة. هذا التحوّل يُشبه ما يصفه الباحثون بأنه تغيير في «توصيف الشبكات العصبية» لدعم التوليد الإبداعي. 

التعلم من الخطأ والتكيّف السريع

تجارب الضغط تعلّم الفرد إعادة تقييم أولوياته بسرعة، والتعامل مع الأخطاء بمثابة دروس. هذا يُنمي المرونة العقلية التي تُعدّ ركيزة للإبداع.

الترتيب الذهني وتنقية السياق

حين يتراجع النشاط التنفيذي ECN مؤقتًا، فإن الذهن قد يعتمد أكثر على توليد مفاهيم عبر شبكة الوضع الافتراضي DN، ما يسمح بفكّ الروتين وإيجاد مسارات جديدة. لكن هذا الأمر بحاجة إلى العودة لاحقاً إلى ECN لتنقية الفكرة وجعلها قابلة للتطبيق. 

توصيات عملية لتعظيم الإبداع تحت الضغط

تعلّم ضبط التقييم الذاتي: إدراكك لقدرتك على التصرف يُقلّل من الآثار السلبية للضغط. خلق فترات راحة ومنفصلة حتى إن كانت قصيرة، تسمح للذهن بالعودة لشبكة توليد الأفكار DN. استخدام تقنيات التنفّس أو التأمّل لخفض فعالية شبكة الأهمية SN التي تركز على الطوارئ. تشجيع بيئة عمل أو تعلم تسمح بـ «حرّية التفكير» دون تهديد اجتماعي مكثّف — لأن التقييم الاجتماعي الشديد يقلّل من الإبداع.  تدريب الذهن على التكيف مع الضغط: فرق مثل فرق الإنقاذ والطوارئ غالبًا ما تتدرب على الظروف الصعبة مسبقًا، ما يجعل الضغط فيها أقلّ فوضوية وأكثرّ منهجية. تقسيم العمل إلى أجزاء صغيرة: يتساعد ذلك في تحويل الضغط الكبير إلى سلسلة تحدّيات صغيرة يُمكن إدارتها — ما يحافظ على مستوى الإبداع دون أن يغرق الذهن في ردود فيزيولوجية مفرطة.

يمكن القول إنّ العلاقة بين الخطر أو الضغط والإبداع ليست علاقة بسيطة أبدًا، بل هي ديناميكيّة حافلة بالتفاعلات العصبية، الإدراكيّة والنفسية. إذا كانت طاقة الضغط مُوجّهة نحو إحساس بالتحكّم والتحدّي، فإنها تُشكّل محفّزًا لإطلاق قدرات الإبداع. أما إذا تحوّلت إلى حالة من العجز أو القلق المزمن، فإنها تُعطّل شبكات الذهن التي تُتيح الإبداع. إن فهمنا لهذه الآليات — سواء على مستوى الدماغ أو القيادة أو التعليم ويُساعدنا في تحويل «الخطر» إلى ورشة إنسانية للاختراع والتجديد، بدلاً من غرفة انتظار للرهبة أو الانكماش.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق