نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سوريا الجديدة في واشنطن... خروج من نفوذ طهران وتوازنٌ محسوب مع موسكو - المصدر 24, اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 04:37 صباحاً
المصدر 24 - شكّلت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن إعلان انتقالٍ استراتيجي لسوريا من عزلتها الثقيلة إلى محاولة منظّمة للعودة لاعباً شرعياً في معادلة الأمن الإقليمي.
الزيارة التاريخية انتهت، لكن مفاعيلها بدأت. تمديد تعليق أجزاء من "قيصر" لستة أشهر إضافية، وتثبيت المسار نحو انضمام دمشق رسمياً إلى التحالف الدولي ضد "داعش"، وإشارات أميركية إلى دعم تفاهمات أمنية بين سوريا وإسرائيل تستند إلى روح اتفاق فكّ الاشتباك لعام 1974 مع تحديث قواعده. حتى إخراج الشرع ووزير داخليته من قوائم الإرهاب الأممية والأميركية لم يكن تفصيلاً؛ لقد شكّل الغطاء السياسي والقانوني لولادة مسار جديد.
الطريقُ إلى واشنطن مرّت عبر الرؤية الخليجية المتّزنة؛ وكنتيجة فُتِحت النافذةُ الدولية، ثم جاءت موسكو محطةً لإدارة علاقةٍ لازمةٍ لا مُلزِمة. خلال أقلّ من عام، تحرّرت دمشق تدريجياً من تكلفة الارتهان الإيراني، وأبقت مع روسيا هامشاً موارباً محسوباً. تموضعٌ براغماتي لا انقلابٌ أيديولوجي، أقربُ إلى تصويبِ معادلة المصالح. "سوريا أولاً" عنوانُ المرحلة، وميزانُ قوى الإقليم بوصلةُ القرار.
شخصيةُ الشرع الجدلية كانت محور الشكوك ومصدر التحوّل معاً. خصومه يستحضرون الماضي، فيما العواصم العربية الفاعلة - وفي مقدّمها العواصم الخليجية - تتعامل مع الواقع. استعادةُ سوريا إلى بيتها العربي وجعلُها ركناً من مشروع الاستقرار والتنمية. وسِجلُّ الشرع خلال أقل من سنة يفرض نفسه. تفكيك خلايا "داعش"، واستبدال اللغة الشعبوية بلغة الدولة، وانفتاحٌ سياسي محسوب، وديبلوماسية مباشرة مع الخصوم قبل الأصدقاء.
من إدارة إدلب إلى التجربة الراهنة في دمشق وصولاً إلى البيت الأبيض، نُقلت سوريا من "ملف" إلى "دولة"، مع تحييدٍ متدرّج لأذرع طهران دون قطع الجسور مع موسكو.
على طاولة واشنطن حزمةٌ مترابطة من الاستحقاقات. انضمامُ دمشق رسمياً إلى التحالف الدولي ضد "داعش"، بما يستلزمه من تبادلٍ استخباراتي وتنسيقٍ عمليّاتي وتحديثٍ لقدراتها الداخلية؛ مسارٌ تشريعي لإلغاء "قيصر" نهائياً - إذ إنّ التعليق الرئاسي وحده لا يطمئن المستثمرين، غير أنّه يفتح الباب - وتفاهماتٌ أمنيةٌ بضمانةٍ أميركية تُخفِّض منسوبَ الاحتكاك في الجنوب، ودمجُ "قسد" في مؤسّسات الدولة، على تعقيده، بوصفه شرطاً لترسيخ الاحتكار الشرعي للسلاح بيد الدولة.
وتتقدّم مقاربةٌ خليجيةٌ عمليةٌ رعت تحوّل المشهد السوري. وضمن هذا الإطار، تُسهم المقاربةُ الإماراتية برؤيةٍ تنموية تجعل الاستقرارَ نتيجةً للاستثمار لا شعاراً سياسياً. لا تراهن أبوظبي على البلاغة، بل على سلاسلِ قيمةٍ واقعية. بنيةٌ تحتية وموانئُ ولوجستيات، وشراكاتٌ استثمارية، وإعادةٌ تدريجيةٌ للثقة المالية والامتثال المصرفي. ومن الموانئ والطاقة والخدمات إلى التعليم والصحة، الرسالةُ واضحة: كلُّ مدرسةٍ تُرمَّم، وكلُّ وظيفةٍ تُستحدث، وكلُّ طريقٍ يُشقّ، سياجاً إضافياً ضدَّ عودة الفوضى وخطوةً نحو تعافٍ مستدام.
لكنّ الطريق ليس معبّداً بالكامل. في إسرائيل جدلٌ داخلي حول سلامة النظام الإقليمي الجديد، وفي الكونغرس أصواتٌ متحفّظة على رفع "قيصر" بلا ضوابط، وداخل سوريا تعقيدات دمج القوى المحلية. وحتى في الحرب على "داعش"، الانضمام إلى التحالف هو بدايةُ مسارٍ لا نهايته، هنا يُصبح معيار النجاح ثلاثياً. قدرة الدولة على احتكار الأمن، قابلية الاقتصاد على خلق نموٍّ شامل، وشفافيةٌ سياسية تُقنع الداخل قبل الخارج.
هل "سوريا الجديدة" جاهزةٌ لامتحان الشراكة؟ المؤشّرات الأولى مشجّعة. انتقالٌ ديبلوماسي سريع من موسكو إلى واشنطن بلا صدام، وتفاهماتٌ أمنية تُخفّض وتيرةَ الاحتكاك، ولغةُ مصالحٍ لا شعارات. لكن الاختبار الحقيقي يبدأ الآن. خلاصة القول، لا تُقاس زيارة البيت الأبيض بالصور، بل بالنتائج المترتّبة.
إذا تحوّل التعليقُ الموَقّت لـ"قيصر" إلى مسارٍ تشريعيٍ يُفضي إلى إلغاءٍ مُقنّن، وإذا أُقفلت الثغراتُ الأمنية جنوباً وعلى الحدود الشرقية، وإذا شقّت الإصلاحاتُ طريقَها إلى المؤسّسات، فسنكون أمام منعطفٍ حقيقي يُخرج سوريا من ظلال الحرب إلى ضوء الدولة. أمّا إذا تعثّر المسار، عاد "القديم" بأقنعةٍ جديدة. بين هذين الخيارين، تبدو المقاربةُ الخليجية رهاناً عقلانياً على أنّ الاستقرار ليس مكسباً سياسياً عابراً، بل مشروعٌ اقتصادي–مؤسّساتي يُقاس بالنتائج لا بالنوايا.
*كاتب إماراتي








0 تعليق