نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المعركة الجديدة: القانون الدولي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي - المصدر 24, اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 11:12 صباحاً
كتب فايز محمد أبو شمّالة - بعد حرب الإبادة الجماعية التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي ضدّ شعبنا في قطاع غزة على مدى العامين الماضيين، لم تعد المواجهة معه محصورة في الميدان العسكري أو في الموقف السياسي؛ فقد بات واضحًا أن معركة الحرية والاستقلال تتخذ أشكالًا متعددة تتكامل ولا تتعارض.
فالمقاومة المسلحة تظلّ خطّ الدفاع الأول عن الوجود والكرامة، بينما تبرز المقاومة الشعبية بأشكالها المختلفة — من التظاهر والعصيان المدني والمقاطعة الاقتصادية — كأداةٍ جماهيرية تُبقي جذوة النضال مشتعلة في كل مكان.
وإلى جانبهما تمتدّ ساحات أخرى لا تقلّ أهمية، تشمل الاقتصاد والإعلام والدبلوماسية، حيث يخوض الفلسطينيون معركة الوعي والسردية والصمود الأسطوري وصولًا إلى الساحة القانونية التي غدت اليوم جزءًا أصيلًا من ميدان النضال الوطني.
ومع هذا الاتساع في ساحات النضال، برزت الساحة القانونية بوصفها امتدادًا طبيعيًا لمعركة التحرير.
ومع أنّ الساحة القانونية لم تولد بعد الحرب الأخيرة، فإنها اكتسبت بعدها زخمًا غير مسبوق، بعدما أدرك الفلسطينيون وحلفاؤهم أن توثيق الجريمة وملاحقة المجرم شكلٌ من أشكال المقاومة لا يقلّ أهمية عن الساحات الأخرى.
فحين يُستحضر القانون كأداةٍ للمواجهة، يمكن محاصرة الاحتلال بلغةٍ يفهمها العالم، وإدخاله إلى قفص الاتهام من بوابة الشرعية الدولية في مواجهة جرائمه وانتهاكاته لكل الشرائع والقوانين الدولية. غير أن الاحتلال، الذي يدرك خطورة هذا الميدان، سعى إلى تحويل القانون من أداة مساءلة إلى أداة هيمنة.
حين تستخدم "إسرائيل" القانون أداة هيمنة وتبريرًا للعدوان يدرك الفقه القانوني الدولي أنّ قوة القانون لا تستند إلى شرطة عالمية تفرضه بالقوة، بل إلى أنّ الدول لا تجاهر بعدائها له، وحتى الدول التي تنتهكه تُحاول دائمًا إخفاء خرقها خلف رواية قانونية مُضلّلة، لأن الاعتراف بالخروج عن القانون يعني خسارة الشرعية السياسية والأخلاقية عالميًا.
وخير مثال على ذلك سلوكُ "دولة" الاحتلال الذي، رغم تفوّقها العسكري والسياسي والاقتصادي وتحالفاتها مع القوى الكبرى، تمتلك جيشًا آخر لا يقلّ خطورة: جيشًا من الخبراء القانونيين الذين يوظّفون النصوص الدولية ويُعيدون تأويلها لتوفير غطاء قانوني لجرائمها.
فقد أدركت مبكرًا أن المعركة في ساحة القانون لا تقلّ حساسيةً عن المواجهة الميدانية، ولذلك ضخّت فيها موارد هائلة لتحوّل القانون — حين تعجز عن الالتزام به — إلى أداة تبرير وشرعنة للعدوان.
وهكذا بات القانون بالنسبة للاحتلال جبهة قتال موازية، يسعى فيها إلى تثبيت روايته وتحصين عدوانه. تحترف "إسرائيل" ما يمكن تسميته بـ«اللعب بالقانون». فبدل أن تواجه النصوص الأممية بإنكارٍ مباشر، تعمل على تطويعها لروايتها الرسمية؛ فتصوّر جرائمها ضد المدنيين على أنها «دفاعٌ عن النفس»، وتقدّم المجازر بوصفها «أضرارًا جانبيةً مشروعة». كما تضخّ روايات قانونية موازية في الإعلام الغربي لتُربك الرأي العام وتُضعف أثر تقارير الإدانة.
لكن هذا الاستثمار الضخم في صناعة الرواية القانونية بدأ يواجه تحديًا غير مسبوق. وتعتمد دولة الاحتلال على حليفها الأوثق — الولايات المتحدة — التي ما فتئت تستخدم الفيتو في مجلس الأمن لحمايتها من أي مساءلة، مانحةً إياها شعورًا بالحصانة أمام القانون الدولي. ولا تكتفي بذلك، بل تمارس ضغوطًا واسعة على الدول الموقّعة والمموّلة للمحكمة الجنائية الدولية لإجهاض مسار المحاسبة.
فميزان القانون الدولي، وإن اختل طويلًا لصالح الاحتلال، بدأ يميل تدريجيًا حين تحركت آليات المساءلة ضد قادة الحرب. ومع ذلك شهد العام 2024 تطورًا مهمًا حين بدأ المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ملاحقة ملفات جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وصدرت طلبات توقيف بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع بوصفهما مسؤولَين عن إدارة الحرب والجرائم في إطار منظومة الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم محدودية التنفيذ، فإنها تحمل دلالات سياسية وقانونية كبيرة، وتفتح الباب أمام مساءلة جدّية لقادة الاحتلال. ولم يتوقف الأمر عند حدود المحكمة الجنائية، بل امتد إلى الهيئات الدولية العليا.
الشرعية الدولية:
ساحة مواجهة لا منبر شكاوى أعادت محكمة العدل الدولية تذكير العالم بقوة القانون الدولي حين أصدرت رأيها الاستشاري الهام في 19 تموز/يوليو 2024، مؤكّدةً أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، غير مشروع وينتهك ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، وأنّ الاستيطان والضمّ والجدار ونقل السكان ومصادرة الأراضي وحرمان الفلسطينيين من حق تقرير المصير تمثّل منظومةً من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي. ودعت المحكمة جميع الدول إلى عدم الاعتراف أو التعاون مع هذا الوضع غير القانوني، وطالبت الاحتلال بإنهائه وسحب قواته وإزالة المستوطنات وتعويض الشعب الفلسطيني.
وهكذا لم يكن الرأي مجرّد حكم قانوني، بل وثيقة سياسية دولية تُعيد تعريف الصراع بوصفه قضية تصفية استعمار لا نزاعًا حدوديًا، وتمنح أنصار فلسطين في العالم سلاحًا قانونيًا يفضح روايات التبرير وازدواجية المعايير.
هذا التحوّل القانوني والسياسي يضع الاحتلال أمام محاسبة تاريخية قد تطال جذور مشروعه الاستعماري. لقد فتحت فتوى 19 تموز 2024 الباب أمام مرحلة جديدة من النضال القانوني والدبلوماسي، إذ يمكن الاستناد إليها في المحاكم الوطنية والدولية ومجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية لتجريم الاستعمار الاستيطاني بوصفه جريمة دولية مستمرة تستوجب العقاب.
ومن رحم هذه التطورات، تبرز الحاجة إلى استراتيجية فلسطينية واعية تستثمر المكتسبات القانونية بدل تركها عرضة للتآكل. فالقانون الدولي ليس أداةً فورية لإنهاء الاحتلال، لكنه إطارٌ يحدّد حدود الشرعية الدولية، ويُضعف الأساس القانوني للاحتلال، ويعزز العزلة السياسية والأخلاقية للاحتلال الإسرائيلي.
والأهم أنه — حين يُستخدم بجدّية — يحوّل القرارات الدولية من نصوصٍ نظرية إلى أطر عمل قابلةٍ للتنفيذ والمتابعة.
وحين نستخدم القانون بذكاء ومهنية، فإننا لا ننتظر العدالة، بل نُسهم في تحقيقها عبر بناء موقف قانوني دولي متماسك يترجم المبادئ إلى ممارسات وإجراءات واقعية.
غير أن نجاح هذه المواجهة القانونية يبقى مرتبطًا بقدرتها على التحوّل إلى فعل شعبي وسياسي منظم.
من المحكمة إلى الشارع:
ربط القانون بالرأي العام والتحوّل إلى فعلٍ عملي المعركة القانونية لا تُدار داخل القاعات القضائية وحدها؛ إنها أيضًا معركةُ الرأي العام والعمل الشعبي.
فحين تصدر محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية قرارًا أو توصية، لا تبقى وثيقةً قانونية مجرّدة، بل تتحوّل إلى سلاحٍ بيد أنصار فلسطين يستخدمونه للضغط على حكوماتهم مطالبين بوقف التعاون العسكري والتجاري مع الاحتلال.
كما تمنحنا نحن الفلسطينيين شرعية نضالنا، ولكنها لا تصبح فعّالة إلا بربطها بعملٍ شعبي منظّم.
فلا قيمة لأيّ قرار دون حملاتٍ تشرح مضمونه وتحوله إلى رأي عام ضاغط، لذلك أدعو القوى السياسية والقانونية والنقابية والجاليات الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني إلى توظيف أي خطوة قانونية دولية في حملاتٍ ميدانية ومذكراتٍ برلمانية ونشاطات ضغطٍ تستهدف صانعي القرار. هذه الدعوة ليست نظرية؛
إنها نداء عملي: فالقانون ليس ميدان النخبة فقط، بل أداة متاحة لكل من يحمل إيمانًا بالحق الفلسطيني. وعبر تنسيق الجهود القانونية والدبلوماسية والإعلامية والشعبية، يمكن تحويل النصوص القانونية من أحكامٍ في أرشيف المحاكم إلى أطر عملٍ تُفرض بها تكاليف سياسية وأخلاقية على الاحتلال.
حين نفعل ذلك، نفتح جبهةً جديدة في نضالنا — جبهةً تقاتل بالحجة والوثيقة والكلمة، وتضع العالم أمام مسؤوليته الأخلاقية والإنسانية والتاريخية.
وفي هذا السياق، يبرز سؤال جوهري: كيف يمكن تنظيم هذه المعركة القانونية وتوحيد جهودها في إطارٍ وطني مستقل؟
فلا يكفي الاعتماد على مبادرات فردية أو ردود فعل متقطعة، إذ باتت الحاجة ماسّة لهيئة وطنية فلسطينية مستقلة للمساءلة القانونية الدولية تمتلك القدرة على إدارة هذا المسار باحتراف واستقلالية؛ فقط وحدها الجهود الوطنية الموحدة هي القادرة على تحويل القانون إلى فعل تحرريّ يعيد لقضيتنا مكانتها في ضمير العالم ويحفظ حقوق شعبنا كاملة غير منقوصة.
ولأهمية هذا الموضوع، سيتم تخصيص مقالة لاحقة لبحث آليات التأسيس والاختصاصات والبنية التنظيمية المقترحة لهذه الهيئة.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : المعركة الجديدة: القانون الدولي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي - المصدر 24, اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 11:12 صباحاً


















0 تعليق