حوت الرأس الضارب.. رحلةٌ إلى 200 عامٍ من الخلود البحري - المصدر 24

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حوت الرأس الضارب.. رحلةٌ إلى 200 عامٍ من الخلود البحري - المصدر 24, اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 04:25 مساءً

المصدر 24 - في مياه القطب الشماليّ الباردة، يعيشُ مخلوقٌ بحريٌّ من عالَمٍ آخر، كأنه يرفضُ كلّ قوانين الزّمن والشيخوخة. إنه حوت الرأس الضارب (Bowhead Whale) الذي يُعتَبر أطول الثدييات عمرًا، إذ تشير الأدلةُ إلى أن بعضَ أفراده عاشَ أكثرَ من مائتين سنة. هذا الكائنُ ليس مجرد رقمٍ قياسيٍّ في طول العمر، بل مفتاحٌ لفهمِ أسئلةَ علميةٍ عميقةٍ، عن الشيخوخةِ والوقايةِ من الأمراضِ وإصلاحِ الحمضِ النوويّ.

حوت الرأس الضارب

بحسب معهدِ الحياةِ البرّيةِ الدوليّ IFAW، فإنّ حوتَ الرأسِ الضارب يعيشُ «أكثرَ من مائتي سنة»، إذ تصلُ مرحلةُ النضجِ الجنسيّ عنده إلى نحو 25 عامًا، بينما يُرفَضُ أن يُعزى موتهُ لأسبابٍ مرتبِطةٍ بالتقدمِ في العمرِ مثل السرطان أو ضعفِ الخلايا. 
إحدى السماتِ اللافتةِ أن بحوثَ العلماءِ لم تسجّلْ في هذا النوعِ أورامًا أو سرطاناتٍ تُذكَر، رغمَ كثرةِ الخلاياِ الضخمةِ التي يمتلكها هذا الحوتُ وهو أمرٌ مفاجئٌ علميًّا. 

كيفَ استطاع هذا الحوتُ أن يحقّقَ عمرًا يُضاهي عمرَ الإنسانِ أو يزيدُ؟ إليكِ بعض المُستدلّاتِ:

يعيشُ في مياهٍ متجمّدةٍ شبهٍ ثابتةٍ حراريًّا، ما يقلّلُ من التغيّراتِ الأيضيةِ المفاجئةِ ويبطئُ عمليّةَ التمثيلِ الغذائيّ.

يحتوي جينومُهُ على طفراتٍ جينيةٍ في إنزيماتٍ تدخلُ في إصلاحِ الحمضِ النوويّ (DNA)، ما يجعلهُ أقلّ عرضةً لتراكمِ الطفراتِ المرتبطةِ بعمر الخلاياِ. 
حاتَرَ فروقاتٍ مذهلةً في نشاطِ القدرةِ الخلويةِ مقارنةً بأنواعٍ أخرى؛ فنسبةُ الإصلاحِ الخلويّ عنده تفوقُ ما نراه في الثديياتِ الأقلِّ عمرًا.

ماذا تعني «دون أن يشيخَ» حرفيًا؟

عبارةُ «دون أن يشيخَ» هنا يجبُ أن تُفهمَ بدقةٍ: لا يعني أنّ هذا الحوتَ يُحافظُ على مظهرٍ شابٍّ أو أنّه لا يموتُ أبدًا، بل أنّه لا يظهرُ التراجعَ الواضحَ في الوظائفِ الحيويةِ أو زيادةَ معدّلاتِ الأمراضِ كما يحدثُ في كثيرٍ من الثديياتِ. بمعنىٍ آخر، يشبهُ ما يُعرف بـ «شيخوخةٍ ضئيلةٍ» (negligible senescence) وهي حالةٌ نادرةٌ في المملكةِ الحيوانيةِ تُشيرُ إلى أنّ الكائنَ لا يشيخُ بوضوحٍ مع تقدّمِ العمرِ. 
دراسةُ حوت الرأس الضارب لم تأتِ من بابِ الفضولِ البيئيّ فقط، بل لطرحِ أسئلةَ إنسانيةً طموحةً: كيفَ يمكنُنا أن نُبطئَ عمليةَ الشيخوخةِ أو نقلّلَ خطرَ السرطان؟ مذكرةُ موسوعة الصحافة العلميّة The Guardian أن العلماءَ وجدوا أن هذا الحوتَ يُنتجُ بروتينًا يُدعى CIRBP، يُنشَطُ بفعلِ البردِ ويُساعدُ في إصلاحِ الحمضِ النوويّ، ما قد يؤدي في المستقبلِ إلى تطبيقاتٍ بشريةٍ محتملةٍ. 
 أيضاً، في مجلة Live Science ورد أن الجيناتِ التي تحملُها هذه الحيتان تضمّت تغييراتٍ في جيناتِ ERCC1 وPCNA، المرتبطةِ بإصلاحِ الحمضِ النوويّ والنموِّ الخلويّ. 

التهديداتُ والحاجةُ إلى الحمايةِ

رغم طولِ عمرِه، لا يزالُ حوت الرأس الضارب مُعرّضًا لمخاطرَ عدّةٍ: الصيدُ التجاريّ القديمُ تركَ آثارًا على تواجده، والنشاطاتُ البحريةُ الحديثةُ – مثل الشحنِ وخرقِ الجليدِ تُهدِّدُ بيئتَهُ. كما أن تغيّراتِ المناخِ جعلت الجليدَ البحريّ أقلَّ استقرارًا، مما قد يؤثرُ على دورةِ حياتهِ ومواطنِه. 

إنّ ظاهرةَ هذا الحوتِ تدعونا إلى إعادةِ تفكيرٍ في أسرارِ العمرِ والصحةِ. إذ إنّ قدرتهُ على العيشِ مائتيّ سنةٍ تُشيرُ إلى أنَّ عاملَ الزمنِ ليسَ محكوماً بالكاملِ بالجينات البشريّةِ فحسب، بل يتصلُ أيضًا بالبيئةِ، بأنماطِ التمثيلِ الغذائيّ، وقدرةِ الجسمِ على الإصلاحِ الذاتيّ. إنّنا أمامَ نموذجٍ حيٍّ يدعونا للتأمّلِ في مستقبلٍ مُحتملٍ يكونُ فيهُ «العمرُ الطويلُ» ليسَ حلمًا بعيدًا، بل حالةً ممكنةً بشروطٍ علميّةٍ وتقنيّةٍ.

حين نفكّرُ في حياةٍ امتدتْ أكثرَ من مائتي عامٍ، في عالَمٍ لا نراه ونادرًا ما نراه، فإنّنا لا نشهدُ فقط تجلّيًا لحكمةِ الطبيعةِ ولكننا نلمسُ بوابةً نحوَ فهمٍ أوسعَ للحياةِ والشيخوخةِ. إنّ حوت الرأس الضارب ليس مجردَ رقمٍ في قائمةِ الأطولِ عمرًا، بل رسالةٌ طبيعيةٌ تقولُ: لدينا داخلَ كلّ كائنٍ قدرةٌ على مقاومةِ الزمنِ وإن فهمناها جيدًا قد تغيّرُ مفهومنا عنه للأبدِ.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق