نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مصانع الظل: كيف حوّلت إيران العراق إلى ترسانة حرب إقليمية - المصدر 24, اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 02:32 مساءً
منذ أن سقطت بغداد تحت وطأة الفوضى الأميركية عام 2003، والعراق يعيش تحوّلًا تدريجيًا من دولة مركزية إلى مساحة نفوذٍ متداخلة تتقاطع فيها الأجندات الإقليمية والدولية. لكن التحوّل الأخطر لم يأتِ من واشنطن أو موسكو، بل من طهران التي أدركت مبكرًا أن جغرافيا العراق يمكن أن تتحوّل إلى "جسرٍ ذهبي" نحو المتوسط، وذراعٍ متقدمةٍ لمعادلة الردع الإقليمي ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.
في السنوات الأخيرة، لم تعد إيران تخفي هذا التوجّه. بل صارت تُديره علنًا تحت عنوان "التكامل الدفاعي”، فيما هو في الحقيقة مشروع متكامل لتأسيس ترسانة عسكرية متطورة داخل الأراضي العراقية، بإشراف مباشر من فيلق القدس، وبتمويل متداخل بين الحكومة العراقية وبعض فصائل "الحشد الشعبي”.
هذه الترسانة، التي بدأت بورش تصنيع بسيطة لصيانة الطائرات المسيّرة والصواريخ قصيرة المدى، تحوّلت اليوم إلى منظومة إنتاج متكاملة تشمل ذخائر دقيقة وأنظمة توجيه ومحركات صواريخ، بل وحتى معدات لتصنيع طائرات بدون طيار بتكنولوجيا مزدوجة مدنية–عسكرية.
تقريرٌ استخباراتي حديث تحدّث عن مصانع تقع في مناطق متفرقة من الجنوب العراقي، بينها النجف وكربلاء والناصرية، تُدار من قبل مهندسين إيرانيين سابقين في مجمع "خاتم الأنبياء” الصناعي. هذه المنشآت تعمل بإشراف مباشر من فيلق القدس، وتخضع لغطاء مدني في شكل "مشاريع زراعية أو لوجستية”، لكنها في الواقع تنتج أجزاءً أساسية لأنظمة إطلاق وصواريخ باليستية تُهرَّب لاحقًا إلى سوريا ولبنان عبر ممرّ الأنبار ودير الزور.
طهران لا تنظر إلى العراق كمجال نفوذٍ سياسي فقط، بل كمحور لوجستي متقدم في خط إمدادٍ يمتدّ من طهران إلى البحر المتوسط. فبينما تنشغل العواصم الغربية بمراقبة الملف النووي، تنسج إيران شبكة تسليحية موازية تُعرف داخل أروقة الحرس الثوري باسم "العمق الصناعي الرديف”، هدفها تجاوز العقوبات الدولية وإيجاد قدرة إنتاجية مستقلة خارج الأراضي الإيرانية.
وهكذا أصبح العراق عمليًا المختبر الميداني الأول لتكنولوجيا السلاح الإيراني، من المسيّرات قصيرة المدى إلى الصواريخ المجنّحة متوسطة المدى.
هذا التوسّع لم يأتِ بمعزل عن التفاهمات السياسية. فقد أظهرت الانتخابات العراقية الأخيرة تزايد نفوذ الكتل الموالية لإيران داخل البرلمان، وارتفاع الأصوات التي تطالب بإخراج القوات الأميركية بالكامل. ومع أن هذه المطالب تُقدَّم بوصفها "سيادية”، فإنّ المضمون الحقيقي هو إعادة هيكلة المشهد الأمني العراقي ليصبح متطابقًا مع مصالح طهران الاستراتيجية.
واشنطن من جانبها تدرك هذا التسلل، لكنها تبدو عاجزة عن وقفه. فبعد عقدين من الاحتلال، لم تعد الولايات المتحدة تملك أدوات النفوذ القديمة. الجيش الأميركي انسحب جزئيًا، والشركات النفطية الغربية فقدت امتيازاتها في الجنوب، بينما تغلغلت شركات إيرانية وصينية في مفاصل الاقتصاد العراقي، ما جعل أي مواجهة اقتصادية مع طهران بمثابة تفجيرٍ داخلي لبغداد نفسها.
الأخطر أن هذه الترسانة لم تُصمَّم فقط لردع "داعش” كما يُروَّج، بل لخلق توازن رعبٍ جديدٍ مع الوجود الأميركي في المنطقة. إيران تراهن على تحويل العراق إلى نسخة محدثة من "لبنان ما قبل 2006”، أي ساحة نفوذ مسلّحة بالكامل لكن بغطاءٍ حكوميٍّ شرعي. من هنا جاءت تسمية واشنطن لهذا المشروع بـ"مصانع الظل”، لأنها تعمل في العلن، ولكن بعيدًا عن الرقابة الدولية.
في المحصلة، لا يبدو أن العراق قادر على الفكاك من هذه المعادلة قريبًا. فبين ضغط واشنطن التي تخشى قيام "هلال تسليحي” يمتد من طهران إلى بيروت، وضغط طهران التي تعتبر العراق بوابتها الاستراتيجية نحو المتوسط، يقف العراق مجددًا أمام السؤال ذاته: هل ما زال دولةً ذات سيادة أم أصبح ساحة صراعٍ إقليميٍ مفتوح؟
الجواب في الوقت الراهن لا يُطمئن. فطالما ظلّ السلاح يُصنّع في الظلّ، والقرار يتخذ في طهران، سيبقى العراق بين مطرقة النفوذ الإيراني وسندان الانقسام الداخلي، في معركةٍ عنوانها: من يملك القرار… يملك الدولة.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : مصانع الظل: كيف حوّلت إيران العراق إلى ترسانة حرب إقليمية - المصدر 24, اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 02:32 مساءً

















0 تعليق