نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"قسد" بين التحالف ودمشق: كيف يُعيد الشرع رسم موازين القوى في سوريا؟ - المصدر 24, اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 07:03 صباحاً
المصدر 24 - تشكّل زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن ولقاؤه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض منعطفاً تاريخياً في العلاقات السورية - الأميركية، وانعكاساً عملياً لإعادة تموضع دمشق الاستراتيجي في المشهدين الإقليمي والدولي.
وفي خضمّ الملفات المتعددة المطروحة على طاولة البيت الأبيض خلال هذا اللقاء، يمثل انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة "داعش" التحوّل الأبرز، لا في مسار إعادة ترتيب أولويات دمشق الدولية والأميركية فحسب، بل بالنسبة إلى الملفات الداخلية أيضاً، لما لذلك من نتائج أمنية وسياسية واقتصادية مرتبطة بالتحدّيات التي يواجهها الشرع وحكومته.
دمشق والتحالف الدولي ومستقبل "قسد"
تأتي العلاقة مع الإدارة الذاتية وذراعها العسكرية، قوات سوريا الديموقراطية "قسد"، في صلب التحدّيات السياسية التي تواجهها سلطة دمشق اليوم. فالأكراد، الذين يشكّلون العمود الفقري لـ"قسد"، يخشون أن تُترجم الشراكة مع دمشق إلى تقييد للحكم الذاتي الذي تأسّس خلال السنوات الماضية، مع ما يترتب على ذلك من محاصصة سياسية وأمنية.
وتشكّل التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، الذي يضمّ 89 دولة بقيادة الولايات المتحدة، في أيلول/سبتمبر 2014، ليُضاف إلى الواقع العسكري الذي كان مفروضاً على بشار الأسد وخارج سيطرته، معتمداً على شراكة ميدانية مع "قسد"، أسفرت عن إنهاء سيطرة "داعش" الميدانية في آذار/مارس 2019، مع بقاء نظام الأسد خارج إطار القرار العسكري والسياسي.
ويشكّل انضمام سوريا رسمياً إلى التحالف الدولي ضدّ "داعش" نقطة تحوّل كبرى في مستقبل "قسد"، التي كانت لسنوات الذراع الميدانية الأساسية للتحالف في الشمال الشرقي.
من الناحية العملية، فإن دخول دمشق في هذا التحالف قد يقلّل من حاجة واشنطن إلى التعامل مع "قسد" ككيان مستقلّ أو شريك مباشر خارج إطار الدولة السورية، ما سيؤدي إلى إعادة تعريف أميركا لدورها ضمن هيكلية أمنية سورية موسّعة.
هذا التحوّل من "الشراكة العسكرية" إلى "الاندماج السياسي–الأمني" يحمل في طيّاته تداعيات مزدوجة. من جهة، يمنح "قسد" شرعية وطنية سعت دمشق إلى الانتقاص منها خلال الأشهر الماضية بتصريحات مباشرة من قبل مسؤولين حكوميين وحملات قادتها وسائل وشخصيات إعلامية محسوبة عليها. ومن جهة أخرى، يحدّ من استقلالها السياسي والإداري الذي مثّل ركيزة مشروع الإدارة الذاتية في شمال شرقي البلاد.
في المقابل، تسعى قيادة "قسد" إلى استثمار اللحظة لصالحها عبر ضمانات أميركية ودولية تحمي مكاسبها السياسية والإدارية والثقافية، خصوصاً ما يتعلّق بحقوق مكوّنات شمال شرقي سوريا ضمن النظام الجديد. وبالتالي، تسعى إلى ترجمة الموازنة الدقيقة بين "الانتماء إلى الدولة" و"الحفاظ على الخصوصية" بتفاهمات واضحة حيال توزيع الصلاحيات والسلطة المحلية، كي لا تتحوّل إلى نقطة احتكاك داخلية، وهو ما تخشاه الدول الداعمة للشرع أيضاً، وعلى رأسها الولايات المتّحدة.
الرئيس السوري أحمد الشرع. (أ ف ب)
عودة "داعش": معادلة جديدة للأمن السوري
اتّسم الموقف الأميركي من الملف السوري بتقلّبات حادّة خلال السنوات الماضية. فخلال ولايته الأولى، أعلن الرئيس دونالد ترامب أنّ سوريا ليست مشكلة تخصّ بلاده، ملمّحاً إلى نيّة سحب القوات الأميركية من البلاد، قبل أن يعيد النظر في هذا الموقف في ولايته الثانية، بعد التطوّرات الكبيرة التي شهدها الشرق الأوسط ما بعد هجمات "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
شهد عام 2025 عودة ملحوظة لأنشطة تنظيم "داعش" في شرقي سوريا، مستغلاً حالة الفوضى الأمنية عقب سقوط نظام الأسد، حيث صعّد التنظيم من هجماته التي بلغت 117 هجوماً بين كانون الثاني/يناير وآب/أغسطس 2025، فيما تقدّر المصادر الميدانية عدد مقاتليه النشطين بما بين 2500 و3000 عنصر، يعملون في مجموعات صغيرة لا تتجاوز العشرة أفراد، وتعتمد على الحركة السريعة والتخفّي لتفادي المراقبة الجوية.
وتعتقد واشنطن بأن انضمام دمشق إلى التحالف الدولي سيعزّز من وحدة الجبهة الداخلية والعلاقة بين دمشق والإدارة الذاتية، إلى جانب طمأنة إسرائيل التي لا تزال تنظر بعين الريبة إلى "الحكومة الجهادية" القابعة على حدودها الشمالية، حسب وصف مسؤوليها.
توصّلت "قسد" مع الشرع في آذار الماضي إلى اتفاق مبدئي يقضي بدمج مؤسساتها المدنية والعسكرية في هيكل الدولة السورية، غير أنّ التقدّم الفعلي ظلّ محدوداً نتيجة عوامل داخلية وخارجية معقّدة تتراوح ما بين أحداث اللاذقية والسويداء والمخاوف التي تلتها، وخطوط أنقرة الحمراء التي تكبّل يدي دمشق في هذا الملف.
الانفراج الموقت الذي تحقق في تشرين الأول بوساطة أميركية – بعد زيارة فائد "قسد" مظلوم عبدي إلى دمشق برفقة المبعوث الأميركي توم براك وقائد القيادة المركزية الأميركية الأدميرال براد كوبر – أعاد الزخم إلى اتفاق آذار. وتم الاتفاق على تشكيل وحدات عسكرية جديدة ضمن "الجيش السوري الجديد"، تضم عشرات القادة الميدانيين من "قسد"، مع احتمال بقاء الوحدات النسائية في مناطقها حفاظاً على خصوصيتها الفكرية والتنظيمية. وتبقى الخلافات الجوهرية حيال مطالب النظام اللامركزي وضرورة تكريس الحقوق الكردية في الدستور الجديد مستمرة دون حلول عملية.
وعلى الرغم من تصريحات براك برفض الفيديرالية، فإنّ الأخير قال في تشرين الأول الماضي إنّ "اللامركزية قد تكون المآل الطبيعي لسوريا"، في تلميح اعتبره مراقبون مؤشراً على تحوّل في المزاج الأميركي نحو قبول نوع من الحكم الذاتي المحلي.
ويرى مراقبون أنّ انضمام دمشق إلى التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، وإدماج واشنطن "قسد" في إطار التحالف من خلال دمشق، سيسهم في تحييدها عن الاستقطابات الإقليمية، خصوصاً التوتّر مع أنقرة التي عارضت على الدوام أيّ شكل من أشكال الإدارة الذاتية قرب حدودها.
ويرى الخبير الأمني والعسكري التركي سعاد ديلغين أنّ "مشروع دمج قوات سوريا الديموقراطية في الجيش السوري يظهر في الأصل بشكل أكبر كمشروع لدمج فصائل يثق بها الشرع، وقادرة على اجتياز الاختبار الأميركي للتطرّف والإرهاب، مع قسد، التي تحظى بثقة دولية أكبر وتعدادها أكثر وتنظيمها وتسليحها أفضل من تلك الفصائل".
وقد يثير انضمام دمشق إلى التحالف توتّرات داخلية مع التيارات الدينية المتشدّدة التي تعتبر الخطوة "شراكة مع الأعداء"، ما يرفع احتمال حدوث انشقاقات داخل البنية العسكرية للسلطة، وإتاحة المجال أمام التنظيمات الجهادية، وعلى رأسها "داعش"، لاستثمار الموقف وتأليب الرأي العام ضدّ الشرع.
ويقول ديلغين، ضابط الارتباط سابقاً بين الجيش التركي وحلف "الناتو"، في حديث إلى "النهار"، إنّ "اشتداد الحرب على داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى سيعني تحييد أعداد كبيرة من الداعمين لسلطة دمشق من المقاتلين، بل وتحالفهم ضدّ الخطر الوجودي الجديد، وبالتالي على واشنطن تدعيم صفوف قوّات الشرع".
ويضيف أن "هذا الدعم الأميركي سيكون من خلال قوات قسد وجيش سوريا الحرة المتواجد في قاعدة التنف برعاية أميركية".
التحالف لموازنة الضغوط الإقليمية
تتزامن خطوة انضمام الشرع إلى التحالف الدولي مع ضغط أميركي مستمر عبر العقوبات التي تستهدف شخصيات وقطاعات اقتصادية في سوريا. ويحاول الشرع، من خلال تعامله مع التحالف الدولي، موازنة المصالح بين استعادة شرعية الدولة السورية دولياً وتقليل أثر العقوبات على الاقتصاد الداخلي.
كذلك، يسمح له الانضمام إلى التحالف بتأسيس قنوات تواصل موثوقة مع تل أبيب، ما يعني تقوية موقعه في مسألة الجنوب السوري عموماً والسويداء بشكل خاص.
ومنذ عدّة أشهر، شنّت إسرائيل غارات متقطّعة داخل الأراضي السورية، استهدفت منشآت عسكرية تعود إلى فترة حكم الأسد، وأخرى تابعة للقوات الجديدة الموالية للشرع.
وتصاعدت التوترات في تموز/يوليو الماضي عندما تدخّل الجيش الإسرائيلي في محافظة السويداء دعماً للفصائل الدرزية بعد مواجهات عنيفة بينها وبين القوات الحكومية والميليشيات البدوية.
وتسير المفاوضات السورية–الإسرائيلية بوتيرة بطيئة ولكن ثابتة، وتركّز على ضمانات أمنية من قبل دمشق في الجنوب السوري برعاية أميركية، مقابل تراجع تل أبيب عن مواقفها المتشدّدة حيال سلطة الشرع ودعمها للأطراف المناوئة لها في داخل سوريا.
ومن المتوقّع أن تستمر واشنطن باستخدام ورقة تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، والتي تُعدّ العائق الرئيسي أمام جهود الانتعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار في البلاد – وهو تهديد وجودي لاستمرار سلطة الشرع – كوسيلة لخفض التوترات بين دمشق وتل أبيب، مع الاستمرار في تقديم دعم كافٍ للأكراد، بما يمكّنهم من إبطاء عملية اندماجهم في مؤسسات الدولة السورية إلى حين التأكد من جدّية الرئيس السوري وقدرته على تحقيق مطالبها المتعلّقة بأمن إسرائيل بالدرجة الأولى.
دخول الشرع في التحالف الدولي تحوّل يعيد رسم مستقبل سوريا السياسي والأمني في شمال شرقي البلاد وجنوبيّها، ومدخل لإعادة تعريف دور "قسد"، والتوازن بين الضغوط الأميركية، والتهديدات الإسرائيلية، والخطوط الحمراء التركية، والرهانات المحلية على استقرار الدولة.














0 تعليق