نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الخطاب الحكومي بين المصداقية والتأثير: قراءة استراتيجية في أزمة الإتصال والتواصل في الدولة الوطنية - المصدر 24, اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 06:57 صباحاً
يُعدّ الخطاب الرسمي للحكومات أداة محورية في بناء الثقة بين الدولة الوطنية والمجتمع الإنساني، سيما وأن الخطاب يمثل واجهة الدولة على المستويين الداخلي والخارجي، علاوة على كونه يشكل جزءاً لا يتجزأ من مفهوم القوة الناعمة التي تحدد قدرة الدولة الوطنية على التأثير في محيطها الإقليمي والدولي؛ غير أن العديد من الدول الوطنية تواجه اليوم أزمة حقيقية في ذاك الخطاب، من حيث الإنفصال عن الواقع بالإضافة إلى ضعف المصداقية، وتراجع فعالية الإتصال والتواصل الاستراتيجي، الأمر الذي يثير تساؤلات مشروعة حول قدرة الحكومات على إدارة الأزمات وتعزيز الثقة الوطنية.
المدرسة الليبرالية المؤسسية أشارت إلى خطاب الحكومات على اعتباره ركيزة أساسية لاستقرار الدولة الوطنية عندما يتسم بالشفافية والمساءلة والتواصل الصادق مع المجتمع، كذلك أشارت المدرسة الواقعية إلى ذلك وبينت أن الخطاب أداة من أدوات القوة لتوجيه الرأي العام بما يخدم المصالح العليا. وأخيراً أكدت المدرسة البنائية أن الخطاب لا يعكس الواقع فقط، بل يشكله ويصوغ إدراك المواطنين لهويتهم الوطنية ومكانة دولتهم في النظام الإقليمي والدولي.
وفي هذا الصدد هناك أمثلة واضحة على ضعف الخطاب الحكومي شهدتها بعض الدول خلال العقدين الماضيين؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر في لبنان، أدت تناقضات الخطابات الرسمية حول الإصلاح الاقتصادي والفساد إلى فقدان الثقة، ما أسهم في اندلاع احتجاجات شعبية واسعة عام 2019. وفي تونس، تكررت الوعود الحكومية بالإصلاح دون ترجمتها على أرض الواقع، مما عمّق شعور المواطنين بالإحباط السياسي؛ أما في فنزويلا، فقد ركزت الحكومات على خطاب تعبوي مؤدلج، مهملًا الحقائق الاقتصادية، ما أدى إلى انهيار الثقة الداخلية وتدهور صورة الدولة خارجياً؛ هذه الحالات تؤكد أن الخطاب الحكومي الرسمي غير المتزن يمكن أن يحوّل أداة الاتصال إلى عبء سياسي ويضعف القوة الناعمة للدولة.
في مقابل ذلك، حققت العديد من الدول نجاحات بارزة في معالجة هذه الفجوة، فمثلاً المملكة المتحدة بعد أزمة العراق عام 2003، أعادت هيكلة أدوات الاتصال الحكومي واتجهت نحو ترسيخ الشفافية في إدارة الأزمات، وسنغافورة كذلك اعتمدت نموذج تشاركي يرتكز على المصارحة المستمرة مع المواطنين، ما جعل خطابها مثل عالمي للثقة الحكومية، أما المملكة العربية السعودية، فقد أعادت صياغة خطابها الحكومي ضمن رؤية 2030، مع التركيز على الإنجاز والمساءلة، مما عزّز الثقة الداخلية ورفع منسوب القوة الناعمة في محيطها الإقليمي؛ بالإضافة إلى الأردن أيضاً الذي يمثل نموذجاً متدرجاً ومتصاعدا في تطوير الخطاب الحكومي، خصوصاً مع إطلاق رؤية التحديث السياسي والإداري والاقتصادي، حيث يتجه الخطاب الرسمي نحو لغة تشاركية ومصارحة أكبر مع المواطنين، مع تفسير القرارات والتحديات بدل الاكتفاء بتبريرها، مما ساعد على تعزيز الثقة والوعي الوطني بأولويات الدولة في مواجهة التحديات الإقليمية والاقتصادية.
إن تجاوز أزمة الخطاب الحكومي يتطلب الانتقال من الخطاب التبريري إلى الخطاب البنائي والاستراتيجي، بحيث يتحول المواطن من متلقي سلبي إلى شريك في صناعة العمل الوطني، فالخطاب الناجح هو الذي يرتكز على الواقعية، الشفافية، وربط القول بالفعل، ليصبح أداة لتنمية الدولة وليس مجرد وسيلة تجميلية للواقع.
إلى هنا فإن تحليل هذه الأزمة وإبراز أهميتها لا يكتمل إلا بالاستناد إلى رؤى كبار منظري العلاقات الدولية، فبحسب جوزيف ناي، يشكل الخطاب الحكومي عنصر جوهري في القوة الناعمة للدولة، إذ يزيد من جاذبية الدولة على المستويين الداخلي والخارجي كلما كان صادقاً ومتسقاً مع الواقع، أما ألكسندر وونت، فيرى أن الخطاب هو أداة تشكيل للهوية السياسية والاجتماعية، فالطريقة التي تتفاعل بها الحكومات مع شعوبها تسهم في بناء هوية الدولة وصورتها في النظام الدولي، ويضيف جون كيغان البعد الاستراتيجي للخطاب، باعتبار أن صياغته بدقة وواقعية تعزز قدرة الدولة على إدارة المخاطر والتحديات، وتقوي حضورها السياسي في النظامين الإقليمي والدولي، لا سيما في أوقات الأزمات أو الصراعات والتحديات الأمنية والاقتصادية.
أخيراً ومن هذا المنطلق، فإن إصلاح الخطاب الحكومي خطوة استراتيجية مركزية، تعزز من إعادة بناء الثقة، وتعزز الهوية الوطنية، وتقوي حضور وقوة الدولة، مع التأكيد هنا إلى أن الخطاب هنا ليست مجرد أداة إعلامية، بل رافعة أساسية في صون استقرار الدولة وفاعلية سياساتها.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : الخطاب الحكومي بين المصداقية والتأثير: قراءة استراتيجية في أزمة الإتصال والتواصل في الدولة الوطنية - المصدر 24, اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 06:57 صباحاً

















0 تعليق