نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الذكاء الاصطناعي: مستقبل الإنسان بين الفرص والمخاطر - المصدر 24, اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 09:00 صباحاً
المصدر 24 - يُعدّ الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence – AI) أحد أبرز التطوّرات التي عرفها العالم في العصر الحديث. فقد تجاوز مرحلة كونه مجرد فكرة أو تكنولوجيا تجريبية، ليصبح قوة محورية في مجالات متعددة مثل الطب والتعليم والاقتصاد والأمن والدفاع. وقد غيّر هذا التطور شكل العالم بطرق لم تكن متوقعة، وأصبح محركًا للنموّ والابتكار، لكنه في الوقت ذاته يحمل تحدّيات أخلاقية واجتماعية واقتصادية عميقة.
من ناحية إيجابية، أسهم الذكاء الاصطناعي في تسهيل الحياة اليومية وتحسين كفاءتها. فالتطبيقات الذكية والمساعدات الرقمية باتت تؤدي مهامًا مثل تنظيم الوقت، والإجابة عن الاستفسارات، وإدارة المنازل، مما يتيح للأفراد التركيز على الأنشطة الأكثر أهمية. أما النقل الذكي — مثل أنظمة السيارات ذاتية القيادة — فيسعى إلى تقليل الحوادث الناتجة عن الخطأ البشري وتحسين تجربة التنقّل في المدن المزدحمة.
وفي المجال الطبي، ساعدت خوارزميات التعلّم العميق (Deep Learning) في تحليل صور الأشعة، والرنين المغناطيسي، والتقارير المعملية، واكتشاف الأمراض في مراحلها المبكرة، ما يزيد من فرص العلاج. وتُعد هذه الخوارزميات من أكثر تقنيات الذكاء الاصطناعي تقدمًا، إذ تعتمد على شبكات عصبية صناعية تحاكي طريقة عمل الدماغ البشري في معالجة المعلومات والتعرّف على الأنماط المعقّدة. كما تستفيد العمليات الجراحية من الروبوتات المدعومة بذكاء اصطناعي لإجراء جراحات دقيقة بأقل تدخل بشري.
اقتصاديًا، يرفع الذكاء الاصطناعي الإنتاجية ويقلّل التكاليف عبر التشغيل الآلي الذكي للعمليات الصناعية والإدارية. فقد أصبحت المصانع تعتمد على أنظمة قادرة على رصد جودة الإنتاج، والتنبؤ بالأعطال قبل وقوعها، مما يوفر وقتًا وجهدًا وتكاليف كبيرة. كما تستعين المؤسسات المالية بخوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة والتنبؤ بالأسواق واتخاذ القرارات بسرعة ودقة أعلى.
وفي مجال التعليم، أسهمت أنظمة التعلّم التكيفي (Adaptive Learning Systems) في توفير مسارات تعليمية تتناسب مع قدرات كل طالب، بالإضافة إلى تحسين تجربة التعليم عن بُعد عبر تحليل أداء المتعلمين وتقديم التغذية الراجعة في الوقت الفعلي. كما يُستخدم الذكاء الاصطناعي في مواجهة التحديات البيئية من خلال تحليل بيانات المناخ والتنبؤ بالكوارث الطبيعية وإدارة الطاقة في المدن الذكية، بما يدعم أهداف التنمية المستدامة.
ولم يقتصر تأثير الذكاء الاصطناعي على المجالات المدنية، بل امتد إلى المجال العسكري الذي يعد أحد أكثر مجالات تطبيقه إثارة للجدل. فقد باتت الجيوش الحديثة تعتمد على أنظمة تسليح ذكية قادرة على جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات في الزمن الحقيقي، واتخاذ قرارات سريعة دون تدخل بشري مباشر. وتشمل هذه الأنظمة الطائرات المسيّرة ذاتية التشغيل، والمركبات القتالية الروبوتية، وأنظمة الدفاع الصاروخي التي تستخدم خوارزميات متقدمة للتعرّف على الأهداف واعتراضها بدقة. ورغم ما توفره هذه التقنيات من مزايا كخفض الخسائر البشرية وزيادة كفاءة العمليات، فإنها تثير مخاوف أخلاقية عميقة تتعلق بقرارات «القتل الذاتي» التي قد تتخذها الآلة دون إشراف بشري. ولذا حذّرت منظمات دولية مثل الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر من سباق تسلّح يرتكز على الذكاء الاصطناعي، داعيةً إلى وضع أطر قانونية تضمن بقاء الإنسان في دائرة اتخاذ القرار.
إلى جانب ذلك، تبرز آثار سلبية أخرى لا يمكن تجاهلها، أبرزها خطر فقدان الوظائف نتيجة الاعتماد المتزايد على الأتمتة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع البطالة واتّساع الفجوة الاقتصادية بين مَن يمتلكون المهارات التقنية ومن يفتقرون إليها. كما يثير الذكاء الاصطناعي تساؤلات أخلاقية تتعلق بالخصوصية وحماية البيانات، إذ تعتمد الكثير من الأنظمة على جمع وتحليل معلومات شخصية ضخمة.
ومن القضايا الجوهرية المرتبطة بهذه التكنولوجيا، مشكلة التحيّز الخوارزمي (Algorithmic Bias)، أي أن الخوارزميات — نتيجة البيانات التي تُدرَّب عليها — قد تُنتج قرارات غير عادلة أو تمييزية ضد فئات معينة. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي أنظمة التنبؤ الإجرامي (Predictive Policing) إلى توجيه موارد الشرطة إلى مناطق أو فئات اجتماعية معينة إذا كانت البيانات الأصلية تعكس تحيّزًا تاريخيًا. وقد أشارت هيئة حقوق الإنسان الأوروبية إلى أن «الخوارزميات قد تولّد معلومات مضلّلة ترسل الشرطة إلى أماكن خاطئة»، ما يبرهن على خطورة الاعتماد المفرط على البيانات غير المتوازنة.
وفي هذا السياق، أكّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن «الذكاء الاصطناعي يمتلك قدرة هائلة على إحداث تحوّل إيجابي في حياة البشر، لكن الاستخدام غير المسؤول أو الخبيث له يمكن أن يقوّض الثقة في المؤسسات ويهدد أسس الديمقراطية». وهذا يوضح رؤية الأمم المتحدة بأن الذكاء الاصطناعي، رغم فوائده، قد يشكل خطرًا على الاستقرار الاجتماعي والسياسي ما لم يُحكم تنظيمه.
وفي عام 2021، أطلقت اليونسكو «التوصية بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي»، وهي أول وثيقة عالمية من نوعها، وقد تضمنت مبادئ أساسية مثل احترام حقوق الإنسان، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وتقليل التمييز، وحماية الخصوصية. كما دعت الدول إلى وضع سياسات وطنية للاستخدام المسؤول للتقنيات الذكية.
وفي 26 أكتوبر 2023، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة عن تشكيل «المجموعة الاستشارية رفيعة المستوى للذكاء الاصطناعي» التي ضمّت 39 خبيرًا من مختلف القطاعات، بهدف وضع إطار عالمي لحوكمة الذكاء الاصطناعي. وقد تضمن تقريرها الأولي توصيات أبرزها إنشاء هيئة علمية دولية مستقلة للذكاء الاصطناعي، وصندوق عالمي لدعم الدول النامية، وإطار بيانات عالمي يضمن الشفافية والمساءلة.
إن هذه الجهود الدولية تعكس إدراكًا متزايدًا بأن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية، بل تحول علمي واجتماعي يتطلب تنظيمًا مسؤولًا. فلا بد من توجيه هذه التكنولوجيا لتكون شريكًا للإنسان لا بديلاً عنه، مع وضع قواعد أخلاقية وتشريعية واضحة.
وفي الختام، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدّين: فهو يفتح آفاقًا واسعة للتقدم والرفاه، لكنه يطرح تحديات لا يمكن إغفالها. ويبقى مستقبل هذه التكنولوجيا مرهونًا بقدرتنا على إدارتها بحكمة، والالتزام بالمبادئ التي وضعتها المنظمات الدولية، لضمان أن يكون الذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسانية، لا تهديدًا لها.
السفير عمرو حلمي


















0 تعليق