كتب وسام السعيد -  قد يبدو الاقتصاد في ظاهره علماً ضخماً مليئاً بالمعادلات والمنحنيات وأسعار الفائدة، لكن لو جرّدناه من التعقيدات، سنكتشف أنه في جوهره سوق خضار… لكن بنسخة راقية. 

نعم، نفس البندورة، نفس الندرة، نفس المواسم، ونفس قانون العرض والطلب… فقط بأسماء أجمل.

 فالاقتصاد—بكل فروعه—يقف على قاعدة واحدة: عندما يزيد المعروض، ينخفض السعر… وعندما يقل، يرتفع. قاعدة بسيطة لدرجة أننا نراها كل يوم بدون مليار تقرير اقتصادي.  

خذ مثالاً كلاسيكياً من السوق: 

حبة بندورة حمراء، ناضجة، طازجة، ورائحتها تشهي… وسعرها منخفض.

 ولماذا؟ لأن الموسم مليان. الجودة ممتازة… لكن العرض أكبر من الطلب. 

 في المقابل: 

حبة بندورة خضراء، لا طعم لها ولا رائحة… وسعرها مرتفع. ولماذا؟ 

لأنها قليلة، والناس مضطرون يشترونها مهما كانت. 

هُنا ينكشف لك سر الاقتصاد كله: القيمة ليست دائماً في الجودة… بل في الندرة. 

وكأن الاقتصاد يقول لك: "مش مهم تكون الأفضل… المهم تكون مطلوب”. 

وتماماً مثل الخضار، الاقتصاد يعيش بالمواسم أيضاً. هناك موسم وفرة تنخفض فيه الأسعار، وموسم ندرة ترتفع فيه، وموسم ركود، وموسم انتعاش…

والمضحك أن كل طرف يلوم الطرف الآخر: التاجر يقول "السوق نايم”، والمستهلك يقول "الأسعار مولّعة”، والاقتصاد يقول: "يا جماعة… أنا مجرد عرض وطلب!” 

وحتى على المستوى العلمي، كل ما نراه في كتب الاقتصاد—من توازن السوق، ومنحنى الطلب، ونقطة التعادل، وتضخم وكساد—هي مجرد محاولات "مرتبة” لشرح شيء نراه يومياً في سوق الخضار منذ آلاف السنين. 

 فعندما ينتج المزارعون أكثر مما يحتاجه السوق… ينهار السعر. 

وعندما يقلّ الإنتاج فجأة… يقفز التضخم. 

لا سحر، ولا ألغاز… فقط بندورة تتأثر بالمطر والشمس مثلما تتأثر الأسواق بالسياسة والنقد والقرارات. 

 ومع ذلك، تبقى الحقيقة العلمية ثابتة: سواء كنت تتحدث عن بندورة أو بترول، عن خيار أو بورصة، عن بطيخ أو عملات…

 فالقوانين واحدة، والمبدأ واحد، والحكمة واحدة: العرض والطلب هما القلب النابض للاقتصاد، والمواسم هي عقله، والندرة هي اللاعب الذي يقلب الطاولة. 

 الاقتصاد ليس لغزاً كما يظنه البعض، ولا علم صعب كما يقدمونه… 

هو ببساطة: سوق خضار… لكن بربطة عنق.