في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتزداد فيه الفوارق بين الثقافات والشعوب، يبرز "يوم التسامح العالمي" الذي يُحتفل به في السادس عشر من نوفمبر من كل عام كرسالة إنسانية خالدة. هذا اليوم الذي أقرّته الأمم المتحدة منذ عام 1995، لم يأتِ ليكون مجرد مناسبة رمزية، بل دعوة مفتوحة إلى جميع البشر للعيش بسلام، وتقبّل الآخر، والتعامل مع الاختلاف على أنه مصدر غنى لا صراع. ومع حلول عام 2025، يزداد هذا المعنى أهمية في ظل التحديات التي يعيشها العالم، من حروب وانقسامات وأزمات إنسانية، تجعل من التسامح حاجة ملحّة أكثر من أي وقت مضى.

التسامح كقيمة عالمية تعزز السلام

يُعد التسامح من القيم الجوهرية التي قامت عليها المجتمعات المتحضرة. فهو لا يعني التنازل عن المبادئ، بل احترام حق الآخرين في أن يختلفوا. فحين يتقبل الإنسان التنوع في الدين والعرق والفكر، يصبح أكثر قدرة على التواصل وبناء الجسور بدلاً من الجدران. وفي عام 2025، تسعى منظمات دولية كثيرة إلى إعادة إحياء مفهوم التسامح في المدارس والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، عبر مبادرات تشجع الحوار بين الأجيال والثقافات. كما تؤكد الدراسات أن المجتمعات التي تحتضن قيم التسامح تنعم بالاستقرار والإبداع، لأن الاختلاف فيها يُنظر إليه كمصدر إلهام لا تهديد.

منبر للتربية على التسامح

يوم التسامح العالمي ليس مجرد شعار يُرفع ليومٍ واحد، بل مناسبة لتربية الأجيال القادمة على قيم التفاهم والاحترام المتبادل. فالعنف اللفظي وسرعة الأحكام المسبقة باتا من أبرز تحديات العصر الرقمي. لذا تعمل المدارس والجامعات والمؤسسات الثقافية في كثير من الدول خلال نوفمبر 2025 على تنظيم ورش عمل ومشروعات طلابية تسلط الضوء على أهمية التسامح في الحياة اليومية. كما تُنظم المتاحف والمراكز الثقافية معارض فنية تجسد التعايش بين الشعوب، ويُخصص الإعلام مساحات لحكايات حقيقية تُظهر كيف غيّر التسامح حياة الأفراد والمجتمعات.

نحو مستقبل أكثر إنسانية

إن التحدي الحقيقي في يوم التسامح العالمي 2025 هو تحويل القيم إلى ممارسات ملموسة. فالتسامح لا يتحقق بقرارات رسمية فقط، بل يبدأ من داخل كل إنسان. أن نحترم الجار المختلف، ونستمع قبل أن نحكم، ونتعامل بلطف حتى في الخلاف، هي أفعال بسيطة لكنها تصنع فارقاً كبيراً في العالم. كما أن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون أدوات إيجابية لبناء جسور جديدة بين الثقافات إذا استُخدمت بروح التسامح والحوار. ومع تزايد الأزمات العالمية، يبقى الأمل في أن يكون عام 2025 عاماً يعيد الإنسانية إلى مسارها الصحيح عبر إحياء قيمة التسامح في القلوب والعقول.

يوم التسامح العالمي 2025 ليس مجرد احتفال، بل تذكير بأن السلام يبدأ من كلمة، ومن نظرة خالية من التعصب. إنه مناسبة للتفكير في مسؤوليتنا كأفراد نحو بناء عالم أكثر تفهماً وتعاوناً. ففي نهاية المطاف، لن يُقاس تقدم الأمم بما تملكه من قوة أو ثروة، بل بقدرتها على احتضان اختلاف أبنائها، وصناعة مستقبل تسوده الرحمة والاحترام المتبادل.