نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لماذا تقدّمت دول العالم بلغاتها الأم بينما يتجه العرب إلى الإنجليزية؟ - المصدر 24, اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025 08:15 مساءً
هذه المقالة هي قراءة في العلاقة بين اللغة وصناعة الحضارة، إذ تبدو المفارقة واضحة: دول كالصين واليابان وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإسرائيل حققت نهضتها العلمية والتكنولوجية بلغاتها الأم، بينما تتصاعد في العالم العربي دعوات إلى التدريس بالإنجليزية بوصفها "لغة العلم” وفقدت أجيالنا الناشئة مهارتهم في لغتهم، كما لاحظت حال أحفادي. فهل المشكلة في اللغة العربية؟ أم في بنية العلم نفسها؟ وهل اللغة شرط للتقدم أم نتيجة له؟
الحقيقة أن التجربة التاريخية والمعاصرة تؤكد أن اللغة ليست مشكلة، بل انعكاس لقوة المجتمع أو ضعفه. فعندما تنهض دولة قوية، تصبح لغتها لغة المعرفة. وحين تضعف، تتراجع لغتها في ميادين العلم بخاصة، حتى لو كانت ذات تراث حضاري عظيم. فلماذا نجحت الدول المتقدمة بلغاتها الأم؟
1. لأن لغاتها أصبحت لغات إنتاج علمي
هذه الدول لم تتقدم لأنها فضّلت لغتها على الإنجليزية، بل لأنها أنشأت مراكز بحث وجامعات وصناعة تكنولوجية تستخدم لغتها في العمل والتطوير. لغة العلم عندها هي اللغة التي يُنتَج بها العلم، وليس فقط وسيلة لشرحه.
2. لأنها امتلكت مشاريع ترجمة كبرى
اليابان ترجمت ملايين الصفحات من العلوم الغربية منذ القرن التاسع عشر، والصين تدير اليوم أكبر حاضنة ترجمة في العالم. بهذا لم تشعر تلك الدول أنها "مضطرة” للتدريس بلغة أجنبية، لأنها توفر المعرفة بلغتها أولًا.
3. لأن التعليم فيها متسق وبسيط
الطالب يتعلم ويفكر بلغة واحدة من الروضة حتى الجامعة، فلا يعيش صدمة انتقالية كما يحدث في العالم العربي حين ينتقل فجأة من العربية إلى الإنجليزية في العلوم، فيفكر بتلعربية ويكتب بالانجليزية.
4. لأن اقتصادها منتج ويحتاج لغة علمية محلية للتفاعل والتطوير
فوجود شركات مثل تويوتا، وسامسونغ، وفولكسفاغن، وهواوي، وهيئات بحثية عملاقة، يجعل اللغة المحلية أداة حقيقية للتكنولوجيا والابتكار.
ولكن، لماذا يميل العرب للتدريس بالإنجليزية؟
1. لأن الإنتاج العلمي العربي ضعيف
نحن مستهلكون للمعرفة أكثر منا منتجين لها. لذلك تبدو الإنجليزية "اختصارًا” للوصول إلى العلم العالمي الجاهز.
2. لأن الترجمة ليست مشروعًا قوميًا مستمرًا
على عكس تجارب الصين واليابان، تفتقر الدول العربية لمؤسسات ترجمة كبرى مستدامة ومتحدة في العالم العربي بامتداداته، فيؤدي اختلاف المصطلح المعرب بين مجمع لغوي إلى خروج الطالب مضطرًا للعودة إلى اللغة الأجنبية.
3. لأن الاقتصاد العربي ريعي وغير صناعي
فغياب الصناعات المتقدمة يقلل الحاجة إلى لغة علمية عربية. فالمعرفة تُستورد مع التكنولوجيا، وباللغة التي جاءت بها.
4. لأن التعليم العربي يفتقد السياسات طويلة الأمد
يتغيّر المنهاج ولغة التدريس حسب الحكومات، وليس حسب رؤية وطنية مستقرة.
وبناء عليه، فان اللغة لا تتقدم وحدها… بل تتقدم بصعود الدولة والحضارة. فالتاريخ يوضح بجلاء أن لغة العلم هي لغة الحضارة المهيمنة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا.
فعندما بلغ العرب أوج قوتهم في العصر العباسي، أصبحت العربية لغة العلوم عالميًا. وفي العصور الوسطى كان العلماء الأوروبيون يتعلمون الطب والفلسفة والرياضيات بالعربية في مراكز مثل طليطلة وساليرنو، حيث تُرجمت الكتب العربية واليونانية عبر العربية.
كما أصبحت الفرنسية في القرنين السابع عشر والثامن عشر لغة الطبقة المتعلمة في أوروبا، ولغة الفلسفة والآداب والدبلوماسية، لأن فرنسا كانت قوة علمية وفكرية وسياسية صاعدة.
والألمانية كانت لغة الكيمياء والفيزياء في القرن التاسع عشر، تمامًا كما أصبحت الإنجليزية اليوم لغة الحوسبة والتكنولوجيا والبحث العلمي بسبب الهيمنة العلمية والاقتصادية للولايات المتحدة وبريطانيا.
إذن، اللغة لا تصنع الحضارة وحدها؛ الحضارة هي التي تفرض لغتها.
ولكن، أين تكمن المشكلة في العالم العربي؟
المشكلة ليست في اللغة العربية مطلقًا. فالعربية أثبتت قدرتها على استيعاب أعقد العلوم لقرون طويلة.
بل المشكلة في اختلال النظام العلمي العربي المتمثل في ضعف الجامعات والبحث العلمي وغياب مشاريع ترجمة مؤسسية موحدة، واقتصاد ريعي غير منتج، وعدم الاستقرار في سياسات التعليم، وانفصال المعرفة عن الصناعة والابتكار، وانفصال الصناعة عن مراكز البحث الوطنية، الخ،
فبغياب هذه العناصر، تبدو الإنجليزية "حلًا سريعًا”، لكنها لا تعالج جوهر المشكلة: عدم إنتاج العلم محليًا.
خلاصة القول إن تقدم الأمم بلغاتها حين يكون لديها علمٌ تُنتجه واقتصادٌ يحتاج هذا العلم، وحين تمتلك رؤية تعليمية شاملة لا تتغير كل بضع سنوات.
اللغة العربية ليست عقبة في طريق التقدم، بل يمكن أن تكون—مرة أخرى—إحدى لغات العلم الكبرى إذا توفرت بنية حضارية نهضوية.
فالحضارة هي التي ترفع من أهمية اللغة، وليست اللغة وحدها هي التي ترفع من شأن الحضارة.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : لماذا تقدّمت دول العالم بلغاتها الأم بينما يتجه العرب إلى الإنجليزية؟ - المصدر 24, اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025 08:15 مساءً











0 تعليق