نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
غزة شرارة الوعي التي أعادت تعريف الحضارة والوعي الأنساني ..من نهاية الدورة الغربية إلى ميلاد دورة إنسانية جديدة... - المصدر 24, اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025 03:55 مساءً
كتب حلمي الأسمر
في لحظاتٍ نادرة من التاريخ، تتوقف عقارب الزمن كأنها تستعد للانتقال من عصرٍ إلى آخر.
تتشقق القوالب القديمة، وتنهار المسلّمات التي حكمت العالم لقرون، وتولد من بين الرماد رؤية جديدة للإنسان والمعنى والمصير.
ما نعيشه اليوم ليس مجرد اضطراب سياسي أو صراع جيوسياسي؛ إنه تحوّل حضاري شامل يشبه ما حدث عند سقوط الأندلس، أو عند انبعاث النهضة الأوروبية… غير أن شرارته هذه المرة لم تأتِ من قصر ملكٍ أو مختبر عالم، بل من غزة — المدينة الصغيرة التي أيقظت ضمير العالم، وأعلنت أن زمن المادية العمياء قد انتهى.
ما يجري في العالم اليوم ليس إصلاحًا في نظام دولي منهك، ولا إعادة ترتيب لموازين القوى بين شرقٍ وغرب، بل هو نهاية دورة حضارية كاملة وبداية أخرى جديدة. فالتاريخ، في مساره العميق، لا يتحرك وفق السياسة وحدها، بل وفق قوانين دورية تحكم صعود الأمم وانهيارها. وهذه الدورات الكبرى لا تحدث إلا كل مئتين إلى ثلاثمئة عام، حين تستهلك الحضارة المهيمنة طاقتها الأخلاقية والروحية وتبدأ بالتفكك من الداخل.
وفي التاريخ، تتكرر هذه الدورات الكبرى كل قرنين إلى ثلاثة قرون تقريبًا، حين تستهلك الحضارة المهيمنة طاقتها الداخلية وتبدأ بالتآكل من الداخل.
في القرن الخامس عشر انتهت الدورة الإسلامية الكبرى بضعف المشرق وصعود أوروبا.
وفي القرن الثامن عشر بدأت الدورة الغربية الحديثة مع الثورة الصناعية وصعود الاستعمار الأوروبي.
واليوم، بعد نحو مئتين وخمسين عامًا، نقترب من نهاية الدورة الغربية التي بلغت ذروتها ثم دخلت مرحلة الانحلال الأخلاقي والفكري والسياسي.
لقد انتهت الدورة الغربية الحديثة التي بدأت مع الثورة الصناعية، وبلغت ذروتها مع العولمة الإمبريالية بعد الحرب العالمية الثانية. والآن، نشهد في وضح النهار تصدّع تلك الهيمنة: انهيار المنظومة الليبرالية من داخلها، انكشاف زيف شعارات "الحرية وحقوق الإنسان”، وتحوّل الغرب إلى ما يشبه حضارات الشفق، التي تملك القوة العسكرية والتقنية ولكنها فقدت المعنى.
وفي المقابل، ينهض من تحت الرماد الشرق القديم، يحمل بذور دورة حضارية جديدة — ليست شرقية بالمفهوم الجغرافي فحسب، بل إنسانية القيم والمركز.
غير أن هذا التحول لم يبدأ من بكين ولا من موسكو… بل من غزة.
من هناك، من تلك البقعة المحاصرة، انطلقت شرارة ما يمكن أن نسمّيه "الزلزال الأخلاقي” الذي هزّ ضمير العالم، وفضح البنية العارية للنظام الدولي كله.
إن طوفان الأقصى لم يكن حدثًا عسكريًا فحسب؛ كان لحظة انكشاف حضاري.
في لحظة واحدة، تهاوت أقنعة الغرب، وانكشف الكذب الأخلاقي الذي حكم العالم منذ قرنين.
انهارت فكرة "تفوق النموذج الغربي” حين تواطأت ديمقراطياته العريقة على إبادة شعبٍ أعزل، وحين برّر علماؤه ومفكروه القتل الجماعي باسم "حق الدفاع عن النفس”.
لقد سقطت الحداثة في امتحانها الأخير، ونجحت غزة في أن تفتح للإنسانية باب الوعي الجديد.
منذ طوفان الأقصى، لم يعد العالم كما كان.
التحالفات تتبدّل، والخطابات تتشقق، والرواية الغربية تتهاوى أمام ثورة الوعي الرقمي التي يقودها جيلٌ عالمي جديد لا يعترف بحدود الجغرافيا ولا بخطاب السلطة.
الضمير الإنساني خرج من صمته، والأمم بدأت تُعيد تعريف العدالة، والمقدس، والمعنى.
لقد كان طوفان الأقصى إعلانًا كونيًا لبداية دورة حضارية جديدة، ستستمر لعقود وربما لقرون.
دورة لا تُقاس بالجيوش ولا بالأسواق، بل بميزان القيم والروح والحق.
وفي هذه الدورة، لن تكون القوة في من يملك القنبلة، بل في من يملك القضية.
لن تحكم التكنولوجيا العالم، بل من يمنحها غاية إنسانية.
وغزة، بما جسّدته من صمودٍ وإيمانٍ وتضحية، قدّمت للعالم أول نموذجٍ روحي لحضارة ما بعد المادية، حضارة تُعيد الإنسان إلى مركز المعنى.
لقد انتهت دورة الغرب المادي المتغطرس، وبدأت دورة الإنسان الحرّ.
ولن يكتب التاريخ هذا التحول باسم واشنطن أو موسكو أو بكين، بل باسم غزة — المدينة التي وقفت وحدها في وجه العالم القديم، فهزّت ضميره وأسقطت أسطورته.
في نهاية المطاف، لن يُذكر طوفان الأقصى في كتب التاريخ بوصفه معركة بين جيشٍ ومقاومة، بل كمنعطف في الوعي الإنساني، كصرخة خرجت من خاصرة الشرق لتوقظ العالم من سباته الطويل.
لقد كانت غزة — بدمها وجوعها وصمودها — المرآة التي رأى فيها البشر وجوههم الحقيقية: من فيها خان ضميره، ومن فيها استيقظ من غفلته.
ومن تحت الركام، كانت تُكتب سطور بداية الحضارة القادمة، تلك التي لا تُبنى على الحديد والنار، بل على العدالة والمعنى والإيمان العميق بكرامة الإنسان.
وحين يُعيد المؤرخون قراءة هذا القرن بعد قرون، سيقولون إن نهاية الغرب لم تبدأ في حربٍ عالمية ثالثة، بل في مدينة صغيرة على شاطئ البحر اسمها غزة،
حيث قرر طفلٌ أعزل أن يقف في وجه آلة الموت،
وحيث بدأ التاريخ يغيّر وجهه،
وحيث وُلدت من رحم الألم أول أنفاس الحضارة الجديدة.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : غزة شرارة الوعي التي أعادت تعريف الحضارة والوعي الأنساني ..من نهاية الدورة الغربية إلى ميلاد دورة إنسانية جديدة... - المصدر 24, اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025 03:55 مساءً

















0 تعليق