هل ليلة القدر تتنقل أم أنها ثابتة في ليلة واحدة؟

ليلة القدر هي أعظم ليلة في العام، حيث نزل فيها القرآن الكريم، وهي خير من ألف شهر، أي ما يعادل أكثر من 83 عامًا من العبادة. يسعى المسلمون في العشر الأواخر من رمضان إلى تحري هذه الليلة المباركة، لما لها من فضل عظيم، لكن هناك سؤال يتكرر كل عام: هل ليلة القدر ثابتة في ليلة واحدة، أم أنها تتنقل بين الليالي الوترية؟
في هذا المقال، سنستعرض أقوال العلماء حول هذه المسألة، وخاصة رأي العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، الذي رجّح أن ليلة القدر تتنقل بين الليالي الوترية، ولا تكون في ليلة ثابتة كل عام. كما سنتناول الأدلة من القرآن والسنة، وكيف يمكن للمسلم أن يتحرى هذه الليلة العظيمة لينال ثوابها.
ما هي ليلة القدر؟
ليلة القدر هي ليلة عظيمة، اختصها الله بنزول القرآن، فقال تعالى:
“إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ” [القدر: 1-3].
وقد وصفها النبي ﷺ بأنها ليلة سلام وطمأنينة، حيث تتنزل فيها الملائكة، وتكثر فيها الرحمة والمغفرة.
هل ليلة القدر ثابتة أم متغيرة؟
رأي الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
“فإن القول الراجح عند أهل العلم أن ليلة القدر تتنقل، تارة تكون في ليلة إحدى وعشرين، وتارة تكون في ليلة ثلاثة وعشرين، وفي ليلة خمس وعشرين، وفي ليلة سبع وعشرين، وفي ليلة تسع وعشرين، وفي الأشفاع أيضًا قد تكون”.
بناءً على هذا القول، ليلة القدر ليست ثابتة في ليلة معينة كل عام، وإنما تتغير من سنة إلى أخرى، فقد تكون في إحدى الليالي الوترية، وأحيانًا قد تكون في ليلة شفعية.
أدلة تنقل ليلة القدر
- حديث النبي ﷺ عن تحريها في العشر الأواخر
قال النبي ﷺ:“تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان” (متفق عليه).
وهذا يدل على أنها ليست في ليلة محددة، بل قد تكون في أي ليلة من العشر الأواخر.
- حديث النبي ﷺ عن الليالي الوترية
قال النبي ﷺ:“التمسوها في العشر الأواخر، في الوتر” (رواه البخاري).
وهذا دليل آخر على أنها قد تقع في إحدى الليالي الوترية، وليس في ليلة ثابتة كل عام.
- روايات مختلفة عن الصحابة حول توقيتها
- ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه قال إن ليلة القدر هي ليلة 27.
- وورد عن بعض الصحابة أنهم رأوها في ليلة 21، وعن آخرين أنهم رأوها في ليلة 23 أو 25.
هذا الاختلاف في الروايات يدل على أنها ليست ثابتة في ليلة واحدة، بل تتغير من سنة إلى أخرى.
ما الحكمة من إخفاء ليلة القدر؟
الله سبحانه وتعالى لم يحدد ليلة القدر بشكل قاطع لحكمة عظيمة، وهي أن يجتهد المسلمون في العبادة خلال العشر الأواخر كلها، وليس في ليلة واحدة فقط. لو كانت ليلة القدر محددة، ربما اقتصر بعض الناس على العبادة في هذه الليلة فقط وأهملوا باقي الأيام.
كيفية تحري ليلة القدر؟
1. الاجتهاد في العشر الأواخر كاملة
بما أن ليلة القدر قد تكون في أي ليلة من العشر الأواخر، سواء وترية أو شفعية، فمن الأفضل أن يجتهد المسلم في العبادة خلال العشر الأواخر كلها.
2. التركيز على الليالي الوترية
بناءً على حديث النبي ﷺ، فإن ليلة القدر غالبًا تكون في إحدى الليالي الوترية، وهي:
- ليلة 21 رمضان
- ليلة 23 رمضان
- ليلة 25 رمضان
- ليلة 27 رمضان
- ليلة 29 رمضان
3. البحث عن علاماتها
هناك علامات تدل على ليلة القدر، ومنها:
- ليلة هادئة ومعتدلة، لا حارة ولا باردة.
- الشعور بالسكينة والطمأنينة.
- شروق الشمس في صبيحتها بلا شعاع.
لكن هذه العلامات تُعرف بعد وقوعها، لذا يجب الاجتهاد في جميع الليالي.
4. الإكثار من الدعاء
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها للنبي ﷺ:
“يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟”
فقال ﷺ:
“قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني” (رواه الترمذي).
لذلك، من أفضل الأعمال في هذه الليلة الإكثار من الدعاء بهذا الدعاء العظيم.
أهم العبادات في ليلة القدر
إذا كنت تريد اغتنام ليلة القدر بغض النظر عن موعدها، فإليك بعض العبادات التي يُستحب القيام بها:
1. صلاة القيام والتهجد
قال النبي ﷺ:
“من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه” (متفق عليه).
لذا، من أفضل الأعمال إطالة الصلاة، وقراءة القرآن فيها بخشوع.
2. تلاوة القرآن الكريم
ليلة القدر هي ليلة نزول القرآن، لذا يستحب الإكثار من تلاوته وتدبر آياته.
3. كثرة الاستغفار والدعاء
ليلة القدر فرصة عظيمة لمحو الذنوب، لذا يجب الإكثار من:
- الاستغفار: “أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه”.
- الدعاء بكل ما في القلب من أمنيات، لأن الله يستجيب في هذه الليلة.
4. الصدقة وفعل الخير
الصدقة في ليلة القدر كأنك تتصدق لأكثر من 83 عامًا، لذا من المستحب التصدق ولو بمبلغ بسيط.
5. تجديد التوبة
يجب على المسلم أن يغتنم هذه الليلة في التوبة الصادقة، فالله يغفر فيها الذنوب لمن طلب المغفرة بصدق.
خاتمة
ليلة القدر ليست ثابتة في ليلة معينة، بل تتنقل بين الليالي العشر الأواخر من رمضان، كما رجح ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. لذا، من الأفضل للمسلم أن يجتهد في جميع هذه الليالي بالصلاة، والدعاء، والعبادة، حتى لا يفوته هذا الفضل العظيم.
نسأل الله أن يوفقنا جميعًا لتحري ليلة القدر، وأن يجعلنا من الفائزين برضا الله وجنته.
تعليقات