هل تحصل على أجر قيام ليلة القدر بصلاة العشاء والفجر في جماعة فقط؟

ليلة القدر هي أعظم ليلة في السنة، فقد أنزل الله فيها القرآن الكريم، وجعلها خيرًا من ألف شهر، أي أن العبادة فيها تعادل عبادة أكثر من 83 عامًا. وبسبب فضلها العظيم، يحرص المسلمون على قيام الليل فيها بالصلاة والذكر وقراءة القرآن والدعاء.
ولكن هناك تساؤل يطرحه كثيرون: هل يحصل المسلم على أجر قيام ليلة القدر إذا صلى العشاء والفجر في جماعة فقط، بدون صلاة التراويح أو القيام؟
للإجابة على هذا السؤال، نستعرض أدلة العلماء وآراء الفقهاء حول فضل صلاة العشاء والفجر في جماعة، ومدى ارتباطها بتحصيل ثواب ليلة القدر.
فضل قيام ليلة القدر
قبل الإجابة عن السؤال، لا بد من معرفة الفضل العظيم لقيام ليلة القدر، كما جاء في حديث النبي ﷺ:
“من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه” (متفق عليه).
وهذا الحديث يدل على أن قيام ليلة القدر سبب في مغفرة الذنوب، وأن الله سبحانه وتعالى يمنح العابد فيها أجرًا عظيمًا يعادل عبادة ألف شهر.
لكن السؤال هنا: هل يشترط قيام الليل كله لنيل هذا الفضل؟ أم أن هناك أعمالًا أخرى تكفي لنيل الأجر؟
هل تكفي صلاة العشاء والفجر في جماعة لنيل أجر ليلة القدر؟
وردت عدة أحاديث عن النبي ﷺ تشير إلى فضل صلاة العشاء والفجر في جماعة، ومنها:
- حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه: قال النبي ﷺ:
“من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله” (رواه مسلم).
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال النبي ﷺ:
“من صلى العشاء الآخرة في جماعة من رمضان فقد أدرك ليلة القدر” (رواه الطبراني، لكن في سنده ضعف).
- قول سعيد بن المسيب رحمه الله:
“من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها” (رواه مالك في الموطأ).
رأي الشافعي في المسألة
ذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى أن من صلى العشاء والصبح في جماعة نال أصل فضيلة قيام ليلة القدر.
قال الإمام الرملي في كتاب نهاية المحتاج:
“وقد نقل في زوائد الروضة عن نص الشافعي في القديم، أن من شهد العشاء والصبح في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر”.
وهذا يدل على أن مجرد صلاة العشاء والفجر في جماعة يدخل المسلم في فضل قيام ليلة القدر، لكن ليس بنفس الدرجة لمن قام الليل كله.
إيضاح الإمام العراقي
قال الإمام العراقي في كتاب طرح التثريب:
“ليس المراد بقيام ليلة القدر قيام جميع ليلها، بل يحصل ذلك ولو بقيام يسير منها، أو بصلاة العشاء والصبح في جماعة”.
وهذا يعني أن تحصيل الأجر ممكن حتى لمن لم يقم الليل كله، لكنه لن يكون بنفس درجة من اجتهد بالسهر والعبادة طوال الليل.
آراء العلماء في المسألة
الرأي الأول: يكفي صلاة العشاء والفجر في جماعة لنيل الأجر
ذهب كثير من العلماء، ومنهم الشافعي، إلى أن من صلى العشاء والفجر في جماعة فقد حصل على نصيب من فضل ليلة القدر، مستدلين بالأحاديث السابقة.
لكنهم لم يقولوا إن ذلك يكافئ تمامًا من قام الليل كله، بل هو أدنى درجات تحصيل الأجر.
الرأي الثاني: لا بد من قيام الليل كله أو معظمه
ذهب بعض العلماء إلى أن أجر قيام ليلة القدر لا يتحقق إلا لمن قام معظم الليل بالصلاة والعبادة.
قال الإمام المباركفوري في كتاب مرعاة المفاتيح:
“يُقال لمن قام جميع الليل أو أكثره أنه قام ليلة القدر، أما من اقتصر على العشاء والفجر، فلا يقال عنه قام الليلة”.
وهذا يعني أن الصلاة في الجماعة تعطي جزءًا من الأجر، لكنها لا تعادل قيام ليلة القدر كاملة.
الترجيح بين الرأيين
الراجح من أقوال العلماء أن من صلى العشاء والفجر في جماعة ينال جزءًا من فضل ليلة القدر، لكنه لن يكون بنفس درجة من قام الليل كله.
- إذا أراد المسلم تحصيل الأجر الكامل، فعليه الاجتهاد في العبادة طوال الليل.
- أما من لم يستطع القيام، فإن صلاة العشاء والفجر في جماعة تكفيه لنيل جزء من الثواب، وهذا من رحمة الله بعباده.
أفضل الأعمال في ليلة القدر
إذا كنت تسعى لتحصيل الأجر الأعظم في ليلة القدر، فهذه بعض الأعمال التي يمكنك القيام بها:
1. أداء صلاة العشاء والفجر في جماعة
وهو الحد الأدنى الذي ينال به المسلم نصيبًا من فضل ليلة القدر.
2. قيام الليل بالصلاة
كان النبي ﷺ يجتهد في العشر الأواخر أكثر من أي وقت آخر، فقد قالت عائشة رضي الله عنها:
“كان النبي ﷺ إذا دخل العشر الأواخر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله” (رواه البخاري ومسلم).
3. الإكثار من الدعاء
من أفضل الأدعية في ليلة القدر ما أوصى به النبي ﷺ:
“اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني” (رواه الترمذي).
4. قراءة القرآن الكريم
ليلة القدر هي الليلة التي نزل فيها القرآن، لذا فإن قراءة القرآن في هذه الليلة من أعظم القربات.
5. الاستغفار والتوبة
ليلة القدر فرصة عظيمة لمغفرة الذنوب، فمن المستحب الإكثار من الاستغفار والتوبة.
6. التصدق وعمل الخير
قال النبي ﷺ:
“أفضل الصدقة صدقة في رمضان” (رواه الترمذي).
والصدقة في ليلة القدر تعادل الصدقة لأكثر من 83 عامًا.
خاتمة
ليلة القدر ليلة عظيمة وكنز رباني، فمن وفقه الله لقيامها فقد فاز فوزًا عظيمًا.
هل تكفي صلاة العشاء والفجر في جماعة لنيل أجر ليلة القدر؟
- نعم، يحصل المسلم على جزء من الفضل، كما قال الشافعي وغيره من العلماء.
- لكن الأجر الأعظم لمن اجتهد في القيام والعبادة طوال الليل.
لذلك، من استطاع أن يجتهد في العشر الأواخر، فليفعل، ومن لم يستطع فليحرص على أداء العشاء والفجر في جماعة على الأقل، حتى لا يفوته الخير تمامًا.
نسأل الله أن يجعلنا من المقبولين في هذه الليلة المباركة، وأن يرزقنا مغفرته ورضوانه.
تعليقات