ما هي الحكمة من إخفاء ليلة القدر؟

ما هي الحكمة من إخفاء ليلة القدر؟

ليلة القدر هي أعظم ليلة في السنة، حيث أنزل الله فيها القرآن الكريم، وجعلها خيرًا من ألف شهر، أي أن العبادة فيها تعادل عبادة أكثر من 83 عامًا. يسعى المسلمون في العشر الأواخر من رمضان إلى تحري هذه الليلة المباركة، وذلك لما لها من أجر عظيم ومضاعفة للحسنات.

لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو: لماذا لم يحدد الله عز وجل ليلة القدر بوضوح في القرآن أو السنة النبوية؟ ولماذا لا يعرف المسلمون متى تكون هذه الليلة بالضبط؟

الإجابة عن هذا السؤال قدمها العديد من العلماء، ومن أبرزهم العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، الذي أوضح أن إخفاء ليلة القدر يحمل حكمتين عظيمتين:

  1. تمييز الجادين في طلبها، حيث يجتهد المؤمن في جميع ليالي العشر الأواخر حتى يدركها.
  2. زيادة الأعمال الصالحة، حيث يدفع المسلمون إلى العبادة والاجتهاد طوال العشر الأواخر، وليس في ليلة واحدة فقط.

في هذا المقال، سنتناول الحكمة من إخفاء ليلة القدر، مع الاستدلال بالقرآن والسنة، وأقوال العلماء، وكيف يمكن للمسلم أن يجتهد لتحري هذه الليلة المباركة.


ما هي ليلة القدر؟

ليلة القدر هي الليلة التي أنزل فيها القرآن الكريم، قال الله تعالى:

“إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ۝ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ” [القدر: 1-3].

وقد اختصها الله بفضل عظيم، حيث وصفها بأنها ليلة سلام حتى مطلع الفجر، وتنزل فيها الملائكة، وتكثر فيها الرحمة والمغفرة.

لكن مع هذا الفضل الكبير، لم يُحدد موعدها بشكل دقيق، مما يدفع المسلمين للبحث عنها والاجتهاد في العبادة خلال العشر الأواخر من رمضان.


لماذا لم يحدد الله ليلة القدر بموعد ثابت؟

1. الحكمة الأولى: اختبار الجدية في طلبها

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

“قد أخفاها الله عز وجل عن عباده لحكمتين عظيمتين: إحداهما أن يتبين الجاد في طلبها الذي يجتهد في كل الليالي لعله يدركها ويصيبها، فإنها لو كانت ليلة معينة لم يجد الناس إلا في تلك الليلة فقط”.

بمعنى أن إخفاء ليلة القدر هو اختبار للمؤمنين، فمن كان صادقًا في طلبها، اجتهد في العشر الأواخر كلها، بينما لو كانت محددة في ليلة معينة، لاقتصر البعض على العبادة في هذه الليلة فقط، وأهمل باقي الليالي.

2. الحكمة الثانية: تحفيز الناس على زيادة العمل الصالح

يقول ابن عثيمين رحمه الله:

“والحكمة الثانية أن يزداد الناس عملاً صالحًا يتقربون به إلى ربهم لينتفعوا به”.

وهذا يعني أن إخفاء ليلة القدر يدفع الناس إلى الاجتهاد في العبادة خلال العشر الأواخر كاملة، فيكثرون من الصلاة، والدعاء، والذكر، وتلاوة القرآن، والصدقة، والاستغفار.

بالتالي، فإن المسلم الذي يسعى لتحري ليلة القدر يخرج من رمضان وقد زاد إيمانه وتقربه من الله، وليس فقط في ليلة واحدة، بل في العشر الأواخر كلها.


أدلة إخفاء ليلة القدر من السنة النبوية

1. حديث النبي عن تحري ليلة القدر

قال النبي ﷺ:

“تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان” (متفق عليه).

وهذا يدل على أن ليلة القدر قد تكون في أي ليلة من العشر الأواخر، وليس في ليلة ثابتة كل عام.

2. نسيان النبي ﷺ لتحديدها لحكمة عظيمة

روى البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال:

“خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة”.

في هذا الحديث، أراد النبي ﷺ أن يخبر الصحابة بموعد ليلة القدر، لكنه نسيها بسبب مشادة بين بعض الصحابة، وكان ذلك لحكمة من الله، حتى يجتهد المسلمون في العبادة طوال العشر الأواخر.

3. اختلاف روايات الصحابة عن توقيتها

هناك عدة روايات عن الصحابة حول ليلة القدر:

  • قال عبد الله بن عباس إنها في ليلة 27 رمضان.
  • قال بعض الصحابة إنها في ليلة 21 أو 23 أو 25.
  • آخرون رأوها في ليالي شفعية، مما يدل على أنها تتنقل من عام إلى آخر.

هذا الاختلاف يؤكد أن ليلة القدر غير ثابتة، مما يحث المسلمين على الاجتهاد في العبادة طوال العشر الأواخر.


كيف تتحرى ليلة القدر؟

1. الاجتهاد في العشر الأواخر كاملة

بما أن ليلة القدر قد تكون في أي ليلة من العشر الأواخر، فمن الأفضل للمسلم أن يحرص على العبادة في جميع هذه الليالي، وليس في الليالي الوترية فقط.

2. إحياء الليالي الوترية

قال النبي ﷺ:

“التمسوها في العشر الأواخر، في الوتر” (رواه البخاري).

لذلك، من الأفضل أن يخصص المسلم وقتًا أكبر للعبادة في الليالي الوترية، وهي:

  • ليلة 21 رمضان
  • ليلة 23 رمضان
  • ليلة 25 رمضان
  • ليلة 27 رمضان
  • ليلة 29 رمضان

3. البحث عن علامات ليلة القدر

هناك علامات تدل على ليلة القدر، ومنها:

  • ليلة هادئة ومعتدلة، لا حارة ولا باردة.
  • الشعور بالطمأنينة والراحة النفسية.
  • شروق الشمس في صباحها بلا شعاع.

لكن هذه العلامات تظهر بعد وقوعها، لذا يجب الاجتهاد في جميع الليالي.

4. الإكثار من الدعاء

قالت السيدة عائشة رضي الله عنها:

“يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟”

فقال ﷺ:

“قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني” (رواه الترمذي).

لذلك، من أهم الأعمال في ليلة القدر الإكثار من الدعاء والاستغفار والتوبة.


أفضل العبادات في ليلة القدر

إذا كنت ترغب في اغتنام ليلة القدر بغض النظر عن موعدها، فإليك بعض العبادات المستحبة:

1. صلاة القيام والتهجد

قال النبي ﷺ:

“من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه” (متفق عليه).

2. تلاوة القرآن الكريم

لأن ليلة القدر هي ليلة نزول القرآن، فمن المستحب الإكثار من قراءته وتدبر معانيه.

3. الصدقة وفعل الخير

الصدقة في ليلة القدر تعادل الصدقة لأكثر من 83 عامًا، لذا احرص على التصدق ولو بمبلغ بسيط.

4. تجديد التوبة والاستغفار

ليلة القدر فرصة عظيمة لمحو الذنوب، لذا أكثر من الاستغفار والتوبة الصادقة.


خاتمة

إخفاء ليلة القدر حكمة عظيمة من الله، ليجتهد المسلمون في العبادة طوال العشر الأواخر، وليُظهر الله صدق العابدين في طلبها. لذا، من الأفضل أن نغتنم كل ليلة من ليالي العشر الأواخر، حتى نضمن إدراك هذه الليلة المباركة والفوز بثوابها العظيم.

نسأل الله أن يوفقنا لتحري ليلة القدر، وأن يجعلنا من الفائزين برحمته ومغفرته.

صحفية مصرية اعمل في موقع المصدر 24 منذ سبع سنوات.. متابعة لكل مايهم الأسرة المصرية