حكم الاحتفال بليلة القدر في المسجد وإعداد الطعام فيها

ليلة القدر هي ليلة عظيمة في الإسلام، حيث نزل فيها القرآن الكريم، وجعلها الله خيرًا من ألف شهر، أي أن العبادة فيها تعادل عبادة أكثر من 83 عامًا. يسعى المسلمون في العشر الأواخر من رمضان لتحري هذه الليلة المباركة، وذلك من خلال الإكثار من الصلاة، وقراءة القرآن، والدعاء، والاستغفار.
لكن هناك سؤال يتكرر في بعض المجتمعات الإسلامية: هل يجوز الاحتفال بليلة القدر في المسجد عن طريق إعداد الطعام والقيام بمظاهر احتفالية؟
للإجابة على هذا السؤال، لا بد من الرجوع إلى سنة النبي ﷺ وهديه في العشر الأواخر من رمضان، ومعرفة حكم إقامة الاحتفالات في المسجد، وهل يعد ذلك من العبادات المشروعة أم من البدع المحدثة؟
ما هو مفهوم الاحتفال بليلة القدر؟
المقصود بالاحتفال بليلة القدر في المسجد إقامة تجمعات خاصة، تتضمن إعداد الطعام، وتوزيعه على الحاضرين، وربما إقامة بعض الفعاليات الاحتفالية، وذلك بدعوى إحياء هذه الليلة العظيمة.
لكن السؤال الأهم هو: هل هذا الفعل كان من هدي النبي ﷺ وأصحابه؟
هدي النبي ﷺ في العشر الأواخر من رمضان
ثبت في الصحيحين عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
“كان النبي ﷺ إذا دخلت العشر الأواخر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله” (رواه البخاري ومسلم).
وهذا يدل على أن النبي ﷺ كان يجتهد في العبادة، ويحيي الليل بالصلاة والذكر والتضرع إلى الله، ولم يثبت عنه ﷺ أنه خصص ليلة القدر بأي نوع من الاحتفال أو إعداد الطعام.
ما حكم إقامة الاحتفال بليلة القدر في المسجد؟
1. الاحتفال بليلة القدر لم يكن من سنة النبي ﷺ
قال النبي ﷺ:
“من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” (رواه البخاري ومسلم).
ويعني هذا الحديث أن أي عبادة أو ممارسة دينية لم يقم بها النبي ﷺ ولا أصحابه، فهي مردودة على صاحبها، أي غير مقبولة عند الله.
وبما أن الاحتفال بليلة القدر في المسجد عن طريق إعداد الطعام لم يكن من سنة النبي ﷺ، فإن فعله قد يدخل في باب البدع، خاصة إذا اعتقد الناس أنه جزء من إحياء ليلة القدر.
2. إعداد الطعام في المسجد لا علاقة له بعبادة ليلة القدر
من هدي النبي ﷺ أنه كان يحيي العشر الأواخر بالصلاة والاعتكاف والدعاء، وليس بإقامة ولائم أو احتفالات. لذلك، فإن إعداد الطعام في المسجد بدعوى الاحتفال بليلة القدر لا أصل له في الشريعة، وقد يكون سببًا في الانشغال عن العبادة الحقيقية في هذه الليلة المباركة.
3. هل يجوز إطعام الطعام في المسجد بشكل عام؟
إطعام الطعام من الأعمال الصالحة في الإسلام، وقد وردت عدة أحاديث تبين فضل إطعام الطعام، مثل قوله ﷺ:
“يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام” (رواه الترمذي).
لكن هناك فرق بين إطعام الطعام كعمل خير، وبين جعله جزءًا من عبادة مخصوصة مثل ليلة القدر.
- إذا كان إعداد الطعام في المسجد يتم بهدف إفطار الصائمين أو إطعام المحتاجين بشكل عام، فهو أمر جائز ومستحب.
- أما إذا كان الغرض من إعداد الطعام هو الاحتفال بليلة القدر وإضافة طقوس خاصة، فقد يكون ذلك بدعة لأنه لم يكن من فعل النبي ﷺ وأصحابه.
4. خطورة الانشغال بالاحتفالات عن العبادة
إقامة مظاهر احتفالية أو تجمعات غير مشروعة في المسجد قد تؤدي إلى الانشغال عن العبادات الأساسية التي يجب القيام بها في ليلة القدر، مثل:
- قيام الليل بالصلاة والتضرع إلى الله.
- قراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه.
- الإكثار من الاستغفار والدعاء، خاصة الدعاء الذي أوصى به النبي ﷺ:
“اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني” (رواه الترمذي).
وبالتالي، فإن المسلم الذي يقضي ليلة القدر في تحضير الطعام والاحتفال قد يفوت عليه الفضل العظيم لهذه الليلة المباركة.
البديل الصحيح لإحياء ليلة القدر
بدلًا من إقامة الاحتفالات وإعداد الطعام في المسجد، يمكن للمسلمين إحياء ليلة القدر وفقًا لهدي النبي ﷺ، من خلال:
1. الاعتكاف في المسجد
كان النبي ﷺ يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، ويجتهد في العبادة أكثر من أي وقت آخر في السنة.
2. الإكثار من الصلاة والدعاء
قال النبي ﷺ:
“من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه” (متفق عليه).
لذلك، من أفضل الأعمال في ليلة القدر إطالة السجود، وقيام الليل بخشوع وخضوع لله تعالى.
3. تلاوة القرآن الكريم
بما أن ليلة القدر هي ليلة نزول القرآن، فإن من أفضل العبادات فيها الإكثار من قراءة القرآن، والتدبر في معانيه.
4. الصدقة وفعل الخير
إعطاء الصدقة في ليلة القدر يعادل الصدقة لأكثر من 83 عامًا، لذا يمكن للمسلم أن يتصدق سرًا، أو يساعد المحتاجين بطرق مشروعة دون أن يجعل ذلك احتفالًا عامًا في المسجد.
5. تعليم الناس فضل ليلة القدر دون احتفالات
يمكن للعلماء والدعاة إلقاء دروس في المساجد عن فضل ليلة القدر، ولكن دون أن يكون ذلك على شكل احتفال، بل كموعظة تحث الناس على العبادة والاجتهاد.
خاتمة
ليلة القدر هي فرصة عظيمة لمغفرة الذنوب وقبول الأعمال، لذا يجب على المسلمين الحرص على إحيائها بالعبادات الصحيحة التي جاءت في السنة النبوية، دون اللجوء إلى بدع لم تثبت عن النبي ﷺ.
هل يجوز الاحتفال بليلة القدر في المسجد؟
- إقامة احتفالات أو إعداد الطعام داخل المسجد كجزء من العبادة يعتبر من البدع، لأنه لم يكن من فعل النبي ﷺ أو أصحابه.
- لكن إطعام الطعام بشكل عام خارج إطار الاحتفال، بهدف الصدقة، جائز ومستحب.
- الأفضل للمسلم أن يقتدي بالنبي ﷺ ويجتهد في الصلاة، والذكر، والدعاء، وقراءة القرآن بدلاً من الانشغال بمظاهر الاحتفال.
نسأل الله أن يوفقنا جميعًا لتحري ليلة القدر، وأن يجعلنا من الفائزين بمغفرته ورحمته في هذا الشهر المبارك.
تعليقات